الهلال الإخباري

التنسيم في الوقت الغلط - الهلال الإخباري

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التنسيم في الوقت الغلط - الهلال الإخباري, اليوم الاثنين 3 مارس 2025 04:31 صباحاً

في لحظات معينة من العمر يجد الإنسان نفسه أمام مفترق طرق لا يمكن تجاهله، حيث كل اختيار يترك أثرا يمتد لسنوات قادمة. المرحلة الثانوية واحدة من تلك اللحظات الحاسمة، فهي ليست مجرد سنوات دراسية عابرة، بل فترة يحدد فيها الشاب مساره، سواء بإرادة واضحة أو بتأثير الظروف المحيطة به.

ومع ذلك فإن هذه المرحلة تأتي في وقت يزدحم فيه العقل بأسئلة الهوية، وتتداخل فيه الرغبات مع الضغوط، فيصبح التشتت جزءا من المشهد اليومي، وتبدو القرارات المصيرية وكأنها عبء ثقيل على النفس.

الشاب في هذه المرحلة لا يعاني فقط من ضغط الاختبارات أو التوقعات العالية من الأسرة والمجتمع، بل يواجه تحديا أكثر تعقيدا: كيف يحدد أولوياته وسط عالم مليء بالمغريات والمشتتات؟ الأجهزة الذكية، وسائل التواصل، الألعاب الالكترونية، وحتى العلاقات الاجتماعية، كلها تسحب انتباهه في اتجاهات متعددة، فتضعف عزيمته ويزداد ميله للمماطلة. في لحظة قد يكون متحمسا لإنجاز هدفه، وفي اللحظة التالية يجد نفسه غارقا في دوامة من التسويف والملل. هذا التذبذب ليس دليل ضعف، بل هو انعكاس طبيعي لمرحلة يمر فيها الدماغ بتغيرات تؤثر على الانضباط الذاتي واتخاذ القرار.

المشكلة تتفاقم عندما يصبح هذا التململ عادة، حيث يبدأ الدماغ في البحث عن التحفيز السريع بدلا من الجهد المتراكم، ويصبح الإنجاز طويل المدى أقل جاذبية مقارنة بالمتعة الفورية. وهنا تتشكل أنماط سلوكية قد تمتد لما بعد مرحلة الدراسة، مثل الاعتماد على الحافز اللحظي بدلا من بناء الإرادة، أو الهروب من المسؤوليات بدلا من مواجهتها. في المقابل، نجد من استطاعوا تجاوز هذه المرحلة بوعي، ليس لأنهم لم يشعروا بالتشتت، بل لأنهم أدركوا أنه جزء طبيعي من التجربة، فتعلموا كيف يوجهون انتباههم بدلا من تركه يتبع التيار.

السر يكمن في البيئة المحيطة، عندما يجد الشاب نفسه في وسط يقدر الجهد أكثر من النتائج الفورية، ويمنحه مساحة للتجربة دون خوف من الفشل، يصبح أكثر قدرة على التحمل والمثابرة. وعندما يتعلم كيف ينظم وقته بطريقة مرنة تتناسب مع طبيعته، لا يصبح الإنجاز عبئا، بل يتحول إلى عادة. الأهم من ذلك حين يدرك أن وضوح الهدف لا يعني غياب المشاعر المتضاربة، بل القدرة على التقدم رغم وجودها، فإنه يبدأ برسم مستقبله بإرادة حقيقية، وليس بدافع العادة أو ضغط الآخرين.

هذه المرحلة ليست مجرد اختبار أكاديمي، بل اختبار في الحياة نفسها، حيث يتعلم الإنسان كيف يتعامل مع ذاته وسط عالم لا يتوقف عن التغيير.

aziz33@

أخبار متعلقة :