نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحج سلوك حضاري ودعوة إلى الله - الهلال الإخباري, اليوم الاثنين 5 مايو 2025 06:28 صباحاً
لا شك أن لفريضة الحج خصوصيتها الدينية ومكانتها المقدسة التي أمر الله عز وجل بها في محكم التنزيل بقوله تعالى (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق). فالحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، ولا يكمل إسلام المرء الا بأدائه - لمن استطاع إليه سبيلا - ولقد أكدت الأحداث على توالي الأزمنة والأيام، أن لهذه الفريضة خواص حضارية عديدة تميزها عن سواها من الفرائض، من ذلك أن موسم الحج ليس حدثا محليا أو إقليميا أو أن أثره يخص فقط شريحة من البشر تتبع ديانة معينة، بل هو في وقتنا الحاضر حدثا عالميا يشد انتباه العالم المتحضر بأسره إلى مظاهر أداء شعائر الحج التي تنقلها وسائل الإعلام السعودية والعربية والإسلامية والعالمية، بالصوت والصورة إلى شتى أنحاء المعمورة، ويتلهف العالم بأجمعه على متابعتها، ليشاهدوا التفاف المسلمين حول الكعبة المشرفة في وقوفهم وركوعهم وسجودهم وابتهالهم إلى بارئهم، حين أدائهم الصلوات المكتوبة والنوافل وطوافهم حول الكعبة المعظمة وترددهم بين الصفا والمروة في تؤدة وسكينة، إلى أن تحين بعد ذلك ساعة الشوق واللهفة، لينتقل هذا الركب الإيماني إلى صعيد عرفات - وليشاهد العالم بأسره - تجمع أكثر من مليوني مسلم على صعيد واحد متخلين عن مظاهر الترف والتنعم والفوارق الدنيوية بين الطبقات، متجردين من الملابس إلا رداء وإزارا يستر أجسادهم، حاسرين رؤوسهم رافعين أيديهم إلى المولى القدير ملبين مكبرين في أجواء روحانية مفعمة بظلال الإسلام وروح الإيمان، ليعلنوا للعالم كله حقيقة الدعوة المحمدية الخالدة التي أساسها إفراد الله بالعبادة، امتثالا لقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ثم تنتقل الصورة المشرقة المعبرة لتوضح للعالم انتقال هذا الموكب الإيماني إلى مشعر المزدلفة ثم إلى مشعر منى، وكيف تتوحد أفئدة وخطوات المسلمين على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، في التنقل بين المشاعر وقيامهم برمي الجمار والحلق أو التقصير وأداء المناسك تقربا إلى الله عز وجل ليطعموا البائس الفقير ويتعاونوا على البر والتقوى، وتتجلى مظاهر السقاية والرفادة وبذل العطاء والصدقات، وحنو القوي على الضعيف وعطف الغني على الفقير والمقتدر على المحتاج، وكل هذه المظاهر الإيمانية التي تعبر عن حقيقة الإيمان وتجسد معنى التآخي بين المسلمين وتآلف قلوبهم وتوحدهم في عبادة خالقهم، إحقاقا لقول الحق سبحانه وتعالى (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).
إن جميع هذه المظاهر هي واجبات دينية تترتب عليها سلوكيات حضارية لها أثرها ووقعها النفسي على أبناء الإسلام الذين يتابعون أداءها عبر وسائل الإعلام المختلفة، ويتمنى كل واحد منهم ويدعو الله عز وجل أن يكتب له الحج، وهي في الوقت نفسه ذات أثر على غير المسلمين الذين قد تكون هذه المظاهر الإسلامية السمحة سببا في لفت أنظارهم وتفكيرهم في هذا الدين الحنيف، مما يجعل للسلوكيات الحضارية لحجاج بيت الله الحرام أثرا في الدعوة إلى الله عز وجل وهداية خلقه إلى الدين القويم.
وينبغي للمسلم في هذه المناسبة العظيمة ولكل من يسر الله له أداء هذه الفريضة، أن يكون مثال المسلم المتحضر للعالم أجمع، وأن يتحلى بالأخلاق الإسلامية في سلوكياته وممارساته وتعاملاته، ليجعل الله عمله متقبلا مبرورا، ومن جهة أخرى لإظهار حضارة ورقي هذا الدين العظيم، مستوحيا ذلك من قوله تعالى (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ومن خلال التزامه بالأنظمة والتعليمات والقوانين التي وضعت من أجل راحته وطمأنينته، والاستخدام الحضاري الأمثل لما وفرته حكومة المملكة العربية السعودية من خدمات متعددة لحجاج بيت الله الحرام، من أجل تمكينهم من التفرغ لعبادتهم في أجواء إيمانية، وإحاطتهم بكل أنواع الرعاية والاهتمام منذ وصولهم لهذه الأراضي المقدسة وحتى مغادرتهم لها، بدءا من حصولهم على التصاريح النظامية التي تخولهم بأداء فريضة الحج، وكذلك في مجال تنقلاتهم أو سكنهم وتوفير الخدمات الأمنية والصحية والبلدية وتهيئة المرافق والخدمات العامة من شبكات الطرق والحدائق والمياه والكهرباء والهاتف والصرف الصحي، وخلاف ذلك من أنواع الخدمات التي وفرتها حكومة خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - لخدمة ضيوف الرحمن لتحقيق أمنهم وراحتهم ورفاهيتهم وتيسير أدائهم مناسكهم في يسر واطمئنان.