الهلال الإخباري

بين القرار والشعور - الهلال الإخباري

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين القرار والشعور - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 11:25 مساءً

لم أكن أظن أن لحظة بسيطة من الانفعال يمكن أن تغيّر مسار قرار استثماري بأكمله... كان ذلك في صباح أحد أيام العمل المعتادة، حيث اجتمعنا لمناقشة مشروع استثماري بدا واعدا على الورق، لكنه لم يكن مستقرا من حيث البيانات... أحد الزملاء، الذي عمل على المشروع لأسابيع، كان يتحدث بحماس يشبه جنون العاشق الولهان، مدافعا عنه كما لو كان طفله الرضيع، ومع كل ملاحظة نقدية، كنت أرى الشرارة في عينيه تزداد، وكأن الرفض يطال كرامته، لا مجرد فكرة عمل... في تلك اللحظة، أدركت كم يمكن للعاطفة أن تتسلل إلى الأعمال، لا بصفتها خصما صريحا، بل ضيف ناعم الخطى، يحضر بدافع الحب، الحماس، الغضب، أو حتى الخوف والرهبة.

تستفتح القصة دائما بنوايا حسنة؛ فنحن لسنا آلات، وهذا ما يجعلنا مبدعين، متحمسين، بل ومخلصين في عملنا... لكن هذه العاطفة نفسها، إذا لم ننتبه لها، قد تقودنا إلى طرق لا نعود منها بسهولة... أتذكر أنني رأيت مديرا يتخذ قرارا بالتوظيف بناء على ارتياحه الشخصي فقط، دون فحص الكفاءة أو حتى فحص لشخصية المتقدم للوظيفة... ورأيت شراكات تنهار لأن أحد الأطراف شعر بالإهانة من رسالة لم تكتب كما يجب... وقعت خلافات بسبب نظرة... وتجمدت مشاريع لأن أحدهم لم يشعر بالقبول ممن حوله.

العاطفة في بيئة العمل مثل النار في المطبخ... إذا أحسنت استخدامها ستطهو أشهى الأطباق والمأكولات، أما إذا تركت دون رقابة، فقد تحرق كل شيء.

أتذكر مرة أنني غضبت بشدة أثناء اجتماع مع الموظفين... لا أتذكر أنني صرخت، لكن أذكر تماما أن نبرة صوتي قد تغيرت، وأنني بدأت أقاطع الآخرين بلا وعي... بعدها بساعات قليلة لم يتذكر أحد محتوى النقاش، بل فقط كيف كنت غاضبا، إن تأثير العاطفة هنا لم يكن في القرار، بل في (الانطباع). وفي العمل، الانطباع أحيانا يساوي السمعة، والسمعة تفتح أبوابا أو تغلقها.

لكنني لا أكتب هنا لأحذر من العاطفة فقط!!! بل على العكس؛ فقد شهدت كيف يمكن للتعاطف أن ينقذ فريقا على وشك الانهيار، وكيف أن كلمة (أنا آسف) الصادقة من مدير لفريقه كانت كفيلة بإعادة الثقة، رأيت كيف يلهم الحماس الجماعي مشروعا بسيطا فيصبح مبادرة عظيمة، فقط لأن القلوب كانت حاضرة، لا العقول فقط.

ما نحتاجه - على ما أعتقد - ليس إقصاء العاطفة من العمل، بل إدارتها، وأن نعرف متى نسمح لمشاعرنا بأن تتكلم، ومتى نطلب منها الصمت، أن ندرب أنفسنا على الإصغاء إلى الغضب لا لنطيعه، بل لنسأل: من أين أتى؟ وهل يستحق أن يُتّبع؟

الذين نجحوا في بناء مؤسسات عظيمة لم يكونوا جامدين، لكنهم لم يتركوا لعواطفهم حرية مطلقة أيضا، بل كانوا قادرين على إيقاف أنفسهم عند الباب، أن يسألوا: هل أنا أتصرف لأنني محق، أم لأنني متألم؟

اليوم، عندما أدخل إلى الاجتماعات، أحرص على شيء واحد... أن أكون صادقا مع مشاعري، لكن لا أسمح لها أن تقودني إلا إذا كانت مناسبة، وأن أتعامل مع كل قرار وكأنه سؤال مزدوج: ماذا يقول المنطق؟ وماذا تقول العاطفة؟ ثم أبحث عن الطريق الذي لا يقصي أحدهما تماما؛ لأن الحقيقة أن العمل الناجح لا يكون باردا، كما لا يكون منفعلا... بل هو معركة خفية وتوازن مستمر بين ما نحب... وبينما يجب أن نفعله.

أخبار متعلقة :