خمس سنوات كمحام مرخص: مراجعة صادقة لتجربتي - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خمس سنوات كمحام مرخص: مراجعة صادقة لتجربتي - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 23 مارس 2025 09:28 مساءً

في البداية، أشكر معالي وزير العدل الذي أقر تجديد رخصتي بعد مرور خمس سنوات. لم يكن هذا التجديد سهلا على الصعيد النفسي؛ فهو تذكير بأن السنوات تمضي وأن الطريق ما يزال أمامي مليئا بالتحديات، لكنه أيضا فرصة لتجديد الشغف والتعلق بالمهنة التي أحببتها وأدعو الله أن يمدني بالقوة للاستمرار فيها بنزاهة وإخلاص.

لماذا أكتب هذا المقال؟

تجديد رخصة المحاماة ليس مجرد إجراء روتيني ينتهي برقم على بطاقة، بل هو علامة فاصلة بين مرحلة مضت ومرحلة جديدة تبدأ. ولعل هذا الحدث يتزامن هذه السنة مع اليوم العالمي للمحاماة (المقرر في 24 مارس)، فقد أتى قرار تجديد رخصتي في وقت يلتقي فيه شغفي بيوم عالمي يسلط الضوء على فكرة القانون ومكانة المحامي، وهو يوم يحتفى فيه بدور المحامين في إرساء مبادئ العدالة وسيادة القانون، مما يزيدنا شرفا ومسؤولية، شرف المهنة وسموها لا يظلل على التضحيات والمسؤوليات التي يتحملها المحامون للدفاع عن الحقوق والحريات.

أشارككم اليوم قصتي أملا بأن تكون رسالة مضيئة في طريق من يقرأها. لقد نشأت على فكرة أن الخير الذي نعيشه، يجب أن ننشره ونورثه لمن حولنا، ولا شك أن التدوين والكتابة أحد أفضل السبل لنقل التجارب وأخذ العِبر.

خمس سنوات... ماذا بعد؟

خمس سنوات مضت منذ حصولي على رخصة المحاماة الأولى. كانت سنوات حافلة بالتجارب؛ فيها فوز وخسارة، سعادة وخيبة، أصدقاء جدد وزملاء رحلوا. يعيدني هذا التجديد إلى الوراء لأرى:

- كيف تصنع المهنة من صاحبها: إن كنتَ صادقا مع نفسك ومع الله، وحريصا على نظام بلدك، فستجد أن كل إنجاز جديد هو نتيجة منطقية لالتزامك.

- كيف تصقل المهنة صفاتك: تصبح أكثر صبرا، أكثر حرصا على الكلمة التي تقولها، وأشد تمسكا بقيمك وأمانتك. في نهاية المطاف، ما تزرعه تجنيه.

المحاماة... مهنة أم أسلوب حياة؟

لا يمكن اختصار المحاماة بمجرد رخصة أو أوراق قضائية. إنها أسلوب حياة يرافقك أينما ذهبت. كيف ذلك؟

- حلال للمشكلات: المحامي بطبيعته محب للمعرفة والتحليل، يدقق في التفاصيل، ويبحث عن الحقائق بجد.

- محارب ضد الظلم: يكره أن يرى الحقوق تهدر، ويشعر بمسؤولية داخلية تجاه من يلتمس العدل.

- رافد للخير أو الشر: قد يستغل بعضهم المهنة لمصالح شخصية أو مكاسب سريعة، لكن قيمك الداخلية هي التي تحدد الطريق الذي تختاره. إن كنت حريصا على نقاء السريرة، فلن تضرك الإغراءات ولا لمعان المال الزائف.

ليس كل شيء يدور حول المال... يعتقد البعض أن المحاماة هي طريق مختصر لجمع الثروة. قد تصح هذه النظرة إذا فضل الإنسان مطامعه الشخصية على قيمه وأخلاقه. غير أنني تعلمت أمرا مهما:

المال قد يأتي من أي عمل، لكن المال النظيف الذي يأتي بضمير مرتاح وبرضى الله هو رأس المال الحقيقي.

مواقف ودروس من واقع المحاماة:

- زميل يغدر وعميل ينقلب: لا عجب في ذلك، فالإنسان قد تضعفه الإغراءات وقد تنكشف حقيقته عند أول اختبار. لكن هذه المواقف علمتني أن أتعامل مع الناس بواقعية، محكما ضميري وحرصي قبل توقعاتي.

- نجاحات غير متوقعة: قضايا ظننت أنها خاسرة أو عقيمة، تحولت في لحظة إلى نصر باهر بفضل الله ثم بفضل الصبر والاجتهاد.

- حبل الكذب قصير: وفي المحاماة حبل الكذب أقصر من القصير، فكم من محامٍ تلاشى تواجده في فترة وجيزة بعد أن اتضح تلاعبه بالحقائق أو سعيه خلف كسب مادي مشبوه. إن الصدق أرفع شأنا من كل مكسب عابر.

أخيرا... من القلب، شكر وامتنان:

- إلى كل قاضٍ: اجتهد فأنصف، وساعد على إظهار الحق. وإذا أخطأت، فنرجو أن يشملك الله برحمته وعفوه.

- إلى كلِ زميل: في قاعة المحكمة أنت محارب مدجج بقلم ولسان لامع، تدافع عن عميلك بقوة. وخارجها أنت إنسان بسيط. حافظ على هذه الثنائية المتوازنة؛ فلا تجعل الشراسة تفسد إنسانيتك، ولا تجعل مصلحة العميل تكون على حساب ضميرك أو احترام زميلك.

- إلى كل موظف مخلص: أنت جندي مجهول في النظام القضائي. إخلاصك أمانة ستعود بالنفع على بلادك وأهلك.

- إلى كل عميل: ثق بالأنظمة والقوانين، وثق بمحاميك إذا رأيت فيه الصدق والإخلاص، وتذكر دائما "وعلى نياتكم ترزقون".

قد يبدو عالم المحاماة بحرا بلا ضفاف، ويظن البعض أنه محصور في الظهور الإعلامي أو القضايا المثيرة. لكن الحقيقة أن حدود هذه المهنة تكمن في نيتك وإخلاصك. فإن جعلتها وسيلة لنشر العدل والخير، أضاءت لك الدرب وأغنتك في الدنيا والآخرة. وها أنا اليوم، في وقت يتزامن مع احتفاء العالم بدور المحامين في دعم مسيرة القانون والعدالة، أقرر مواصلة المسير بعزيمة أشد وإيمان أعمق، مدركا أن قراري وتصرفاتي هما سلاحايَ الحقيقيان، فإن اخترت الخير، وجدته، وإن أسأت الاختيار، أضررت نفسي قبل غيري.

ولنتذكر دائما (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها).

أخبار ذات صلة

0 تعليق