في تطور مأساوي جديد يعكس حجم التوتر الإنساني والاجتماعي في محافظة السويداء، توفي صباح الأربعاء الشيخ الدرزى البارز مرهج شاهين، متأثرًا بحالة حزن شديدة ألّمت به عقب واقعة إهانته على يد مجموعة مسلحة، نُسبت إلى قوات حكومية بقيادة رئيس الحكومة الانتقالية أحمد الشرع.

ووفق ما نقلته شبكة "السويداء 24"، فإن الشيخ شاهين لم يغادر منزله منذ الواقعة التي وُثق جانب منها في مقطع فيديو صادم انتشر على نطاق واسع، يظهر فيه وهو يُجبر على حلق شاربه، في مشهد لاقى استنكارًا واسعًا داخل وخارج المحافظة.

الواقعة التي فجرت الغضب

الشيخ مرهج شاهين، أحد وجهاء بلدة الثعلة الواقعة في ريف السويداء الغربي، كان يتمتع بمكانة اجتماعية رفيعة، ويحظى باحترام واسع في أوساط الطائفة الدرزية. إلا أن واقعة الاعتداء عليه مثلت انتهاكًا صريحًا لقيم المجتمع المحلي، وأثارت حالة من الغضب الشعبي والذهول، خصوصًا أن الشارب لدى بعض الطوائف في المنطقة يُعد رمزًا للكرامة والرجولة.

وأشارت المصادر إلى أن الشيخ، البالغ من العمر أكثر من 80 عامًا، دخل في عزلة شبه تامة داخل منزله عقب الحادثة، ورفض تلقي الزوار، قبل أن يفارق الحياة صباح الأربعاء نتيجة ما وُصف بـ "ألم نفسي عميق وانكسار معنوي قاتل".

اشتباكات السويداء: خلفيات دموية وتدخلات خارجية

وتأتي وفاة الشيخ شاهين في سياق موجة عنف دامية تضرب السويداء منذ يوم الأحد الماضي، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين مجموعات مسلحة تنتمي للطائفة الدرزية، وأخرى من العشائر البدوية، على خلفية عمليات خطف متبادلة ومصادرة آليات.

ورغم تدخل الجيش السوري ووزارة الداخلية في محاولة لاحتواء الموقف، إلا أن الوضع تطوّر لاحقًا إلى عمليات قصف واشتباكات ميدانية عنيفة، أدت إلى تدخل الطيران الإسرائيلي الذي شن غارات استهدفت مواقع عسكرية وأمنية داخل السويداء، زادت من تعقيد الوضع.

وبحسب آخر إحصائية نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، ارتفع عدد القتلى إلى 248 شخصًا، من بينهم 64 مقاتلًا درزيًا و28 مدنيًا – بينهم 21 قُتلوا في "إعدامات ميدانية" على يد عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية – مقابل 138 قتيلًا من القوات الحكومية، و18 مقاتلًا بدويًا.

بيان الدفاع السورية: وقف إطلاق نار هش

وفي بيان أصدرته صباح الأربعاء، أكدت وزارة الدفاع السورية أن مجموعات خارجة عن القانون عادت لمهاجمة الجيش وقوات الأمن داخل المدينة، رغم إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع وجهاء السويداء في اليوم السابق.

وجاء في البيان:
"أكدنا في تعليمات سابقة أحقية قوات الجيش في الرد على مصادر النيران لحماية القوات والمواطنين على حد سواء."

لكن على الأرض، تشير الوقائع إلى أن وقف إطلاق النار لم يصمد، وسط استمرار التوترات، وانعدام الثقة المتبادل بين الأطراف المتقاتلة.

إسرائيل تدخل على الخط

وفي خطوة مثيرة للجدل، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن تنفيذ غارات جوية استهدفت قوات وأهدافًا سورية في السويداء، بزعم "حماية المدنيين الدروز"، وهي الخطوة التي لاقت إدانة من الأمم المتحدة وعدد من القوى الإقليمية، وسط اتهامات باستخدام ملف الأقليات كذريعة للتدخل في الشأن السوري.

وفاة شاهين.. وجه إنساني لمعاناة مجتمع

تمثل وفاة الشيخ مرهج شاهين نتيجة حادثة تعذيب معنوي، أحد أوجه المأساة المتفاقمة في الجنوب السوري. فهي ليست مجرد حالة فردية، بل انعكاس مباشر لحالة التفكك الاجتماعي والانهيار الأخلاقي في ظل غياب دولة قانون فعّالة، وهيمنة السلاح على المؤسسات.

ويحذّر متابعون من أن استمرار هذه الانتهاكات، سواء ضد رموز اجتماعية أو مدنيين، قد يدفع المجتمع المحلي نحو خيارات متطرفة أو انتقامية، تعيد البلاد إلى دوامة لا نهاية لها من العنف الطائفي والتمزق الأهلي.

خلاصة: لحظة سورية حرجة

تأتي هذه الحادثة في وقت تعيش فيه سوريا واحدة من أخطر لحظات تاريخها الحديث، مع أنباء عن اغتيال رئيس الحكومة الانتقالية أحمد الشرع، وتصاعد القصف الإسرائيلي، وتدهور الوضع الإنساني في السويداء، إلى جانب فشل الجهود الدولية في فرض تهدئة مستدامة.

وفي هذا السياق، تصبح وفاة الشيخ مرهج شاهين، بما تحمله من رمزية إنسانية واجتماعية، جرس إنذار حاد، ليس فقط بشأن مأساة فردية، بل عن مصير مجتمع بأكمله مهدد بالانهيار.