إعداد ـ محمد كمال
ربما اختارت إسرائيل الأهداف التي تستعد لضربها في إيران، من بين قائمة مصغرة، للرد على هجوم صاروخي غير مسبوق، ورغم ذلك فإن التسريبات تشير إلى أنها تحسب بدقة تبعات ما هي مقدمة عليه، خصوصاً مع تعالي أصوات بضرورة استهداف المواقع النووية الإيرانية أو حتى مواقع إنتاج الطاقة، ولكن عدداً من المحللين الإسرائيليين حذروا من بعض الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها، في الوقت الذي كشفوا عن احتمال لجوء إسرائيل لسلاحها الاستراتيجي الخفي.
ويبدو اختيار الأهداف المحتملة للضربة عملية شديدة التعقيد، وربما كان ذلك أحد أسباب تأجيل إسرائيل لردها على غير عادتها، كما تجري مباحثات مع الولايات المتحدة عن الضربة ودراسة رد الفعل الإيراني، لمنع أي عملية انتقامية تالية.
ـ مخاطر الضربة النووية ـ
ورغم المطالبات في إسرائيل باستهداف المواقع الاستراتيجية النووية الإيرانية في نطنز وفوردو بمحافظة قم، فإن محللين إسرائيليين عبروا عن خشيتهم من مخاطر هذه الضربة، لعدة أسباب، أهمها بحسب المحلل في صحيفة هآرتس يوسي ميلمان أن الهجوم على المواقع النووية الإيرانية لن ينجح أو لن يسبب أضراراً كبيرة، نظراً لوجودها على أعماق كبيرة ومحصنة بشدة تحت الأرض، وبالتالي سيكون الفشل المحتمل ضربة لسمعة سلاح الجو الإسرائيلي.
وعن الخطر الثاني المرتب على ضرب أهداف نووية، فإن مصدر القلق يتمثل في أنه في حال نفذت إسرائيل العملية بنجاح في ظل ما تمتلكه من قنابل مخصصة لضرب التحصينات، فإنه قد ينتج عن ذلك تسريبات إشعاعية وانبعاث مواد كيميائية خطرة من شأنها أن تلحق الضرر بعشرات الآلاف من المدنيين، ولا يمكن معرفة ردة الفعل الإيرانية أو العالمية بعد ذلك.
وبخصوص استهداف مصافي النفط وغيرها من البنية التحتية للغاز، فإن ذلك من شأنه أن يوجه ضربة قاسية لاقتصاد إيران المهتز بالفعل. ولكنه قد يتسبب أيضاً في حرائق ضخمة من شأنها أن تقتل وتجرح أعداداً كبيرة من المدنيين وتؤدي إلى كارثة بيئية، وسوف يلقي العالم باللوم على إسرائيل في الارتفاع الجنوني لأسعار النفط العالمية.
ويرجح متخصصون إسرائيليون أن يتم تركيز الضربة على أهداف للحرس الثوري وقواعد القوات الجوية والبنية التحتية المدنية التي تصيب إيران بالشلل.
ومن بين بنك الأهداف الإسرائيلية المحتملة في إيران، يأتي المقر الرئيسي للحرس الثوري في طهران، وقواعد القوات الجوية، وأنظمة الدفاع الجوي ومراكز القيادة والسيطرة والاتصالات، بالتزامن مع هجوم إلكتروني من شأنه أن يشل البنية التحتية المدنية مثل منشآت الغاز بشكل مؤقت، وكذلك المحطات وحركة السكك الحديدية والموانئ ومحطات الطاقة والمطارات. وفي السنوات القليلة الماضية، أعطت إسرائيل إيران طعماً لقدراتها السيبرانية، عندما أغلقت لفترة وجيزة محطات الوقود ومحطات القطار وحركة السفن في ميناء بندر عباس.
ـ الصاروخ الخفي ـ
ويمتلك الجيش الإسرائيلي ثلاثة أنواع من الأسلحة يمكن استخدامها في ضرب الأهداف الإيرانية، وهي الطائرات الحربية، والأسلحة السيبرانية، في الوقت الذي تحدثت تقارير غربية عن امتلاك إسرائيل أيضاً لصواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، لكن إسرائيل لم تعترف قط بامتلاكها ولم يتم استخدامها، فيما يرى ميلمان أنه من المعقول الافتراض أن هذا النظام الصاروخي يتم الاحتفاظ به كسلاح استراتيجي نهائي، وعند اللجوء لهذا الخيار فقد تكون الضربة مشابهة لتلك التي شنتها إيران بنحو 200 صاروخ باليستي قالت إن بعضها فرط صوتية.
ويرى خبراء عسكريون أن الهجوم الإسرائيلي قد يشمل طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، وعلى الأرجح طائرات إف - 35، لتقليل خطر إسقاط الطائرات ومقتل الطيارين أو أسرهم.
ـ طريق للخروج ـ
ووفق تحليلات بعض المؤرخين فإنه في ظل معرفة إسرائيل لطريقة دخولها أي حرب، فإنها لا تعرف كيف تخرج منها، ولهذا ترى أصوات في إسرائيل أنه يجب على حكومة بنيامين نتنياهو التفكير جيداً قبل الهجمة المنتظرة، وأن تسعى إلى عدم الانجرار إلى حرب طويلة مع إيران، وأن تفكر أيضاً في الكيفية التي تخطط بها لإنهاء الحربين في غزة ولبنان من أجل إطلاق سراح الرهائن وتحرير الإسرائيليين من هذا الكابوس الطويل الأمد والاقتصاد المتضرر بشدة.
ـ تحسبات في إيران ـ
ومع توقع إيران للضربة الإسرائيلية، فقد اتخذت بالفعل إجراءات احترازية عديدة في مواقع نفطية وعسكرية، ومثلما حدث عندما هددت بتنفيذ ضربة عقب اغتيال الزعيم السياسي لحركة حماس في طهران إسماعيل هنية، ثم الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، عندما قام الإسرائيليون بتخزين السلع الاستراتيجية تحسباً لوقوع حرب شاملة، فقد قام الإيرانيون كذلك خاصة في مدينتي طهران وأصفهان، بتخزين المواد الغذائية وغيرها من الاستعدادات.
كما تعد إيران عدتها لتنفيذ عملية انتقامية ضد إسرائيل، فيما تم تسريب خريطة بالأهداف المحتملة التي يمكن أن تستهدفها إيران، ومن بينها حقول غاز ومحطات توليد الكهرباء فضلاً عن الأهداف العسكرية، فيما أكد مصدر عسكري إيراني أن «خطّة الرد اللازم على أي عمل محتمل لإسرائيل جاهزة تماماً، كما أوضح أنه لدى إيران «بنك أهداف كثيرة داخل إسرائيل»، معتبراً أن ضربة الثلاثاء «أظهرت أن بإمكان طهران تدمير أي نقطة تريدها وتسويتها بالأرض». وزاد بالقول إنه «بحسب نوع الرد الإسرائيلي سيتم اتخاذ قرار فوري بشأن تنفيذ واحدة أو أكثر من العمليات الانتقامية».
ـ اغتيالان أفشلا المفاوضات ـ
وتأتي الضربة المحتملة مع تسارع الوقت حتى الانتخابات الأمريكية المقررة في 5 نوفمبر المقبل، فيما تجري تنسيقات عسكرية على أعلى مستوى بين إسرائيل والولايات المتحدة، ويرى مقربون من الإدارة الأمريكية أن الهجوم المحتمل ربما يساعد نائبة الرئيس كامالا هاريس على إظهار نفسها في موقف القيادية القوية التي دعمت التصدي لإيران، خصوصاً بعد انهيار المقترح الأمريكي الفرنسي لإقرار هدنة في جنوب لبنان، إذ أعطى نتنياهو الأمر باستهداف مقر حزب الله وأمينه العام في بيروت في الوقت الذي كان فريقه يناقش المقترح خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وعندما عرض مقترح وقف إطلاق النار، اعتقد الدبلوماسيون الأمريكيون أن إسرائيل وحزب الله يدعمانه، لكن إسرائيل استهدفت نصر الله، وتلى ذلك الإعلان عن عملية برية في جنوب لبنان، ما أدى إلى تحول الأمر لحرب مستعرة، والتي كان المسؤولون يعملون على منعها، ما يهدد بإشعال حرب إقليمية أكثر اتساعاً.
وجاءت الدعوة إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في لبنان بعد 11 شهراً من الجهود الدبلوماسية الفاشلة لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، والسعي إلى منع حرب كبرى ثانية – بين إسرائيل وحزب الله.
وكان مقتل نصر الله هو المرة الثانية خلال 10 أسابيع التي تقوم فيها إسرائيل بقمع التقدم نحو وقف إطلاق النار؛ كما كان اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في شهر يوليو/تموز الماضي، سبباً في تشدد حماس ضد أي اقتراح لوقف إطلاق النار في غزة.