القاهرة: «الخليج»
تقطع قناطر زفتى مياه فرع دمياط على نهر النيل، مثل حارس عجوز يختص بتنظيم مياه النهر الخالد، ويوزع مياهه على أراضي الدلتا، لتنبت أطيب الثمار في مواسم الحصاد، وتروي بمبناها العتيق حكايات عن سنوات من النضال ضد الاستعمار الإنجليزي في بواكير القرن الماضي.
ويطلق أهالي محافظة الغربية، على قناطر زفتى اسم «قناطر دهتورة»، نسبة إلى القرية المقابلة لها، والتي تقع على بعد نحو كيلومتر واحد فقط من مدينة زفتى.
يرجع تاريخ إنشاء قناطر زفتى إلى مارس/ آذار عام 1902، حيث شيدت في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، وهي الأخيرة من بين أقدم ثماني قناطر أنشئت بطول نهر النيل، لتنظيم مناوبات الري في العديد من المحافظات المصرية، بدءاً من القناطر الخيرية التي أنشأها محمد علي باشا في عام 1883، وأطلق عليها حينذاك اسم «القناطر المجيدة»، وانتهاء بقناطر نجع حمادي التي أنشئت في عهد الملك فؤاد الأول وافتتحت رسمياً للعمل في عام 1930، بكلفة بلغت وقتها مليوناً و850 ألف جنيه مصري.
وتتميز القناطر بفتحاتها الخمسين التي تقطع فرع نهر النيل المفضي إلى دمياط على ساحل المتوسط، وتنظم سريانه على نحو بديع، يتناسب مع معمارها الفريد، وما يحيط بها من استراحات للأجانب بنيت على ضفتي النهر، بنفس الطراز المعماري المميز للقناطر، والذي يشبه إلى حد كبير عمارة القناطر الخيرية على حدود القاهرة الكبرى.
ترفد قناطر زفتى أكثر من مليون فدان تنتشر في أربع محافظات في دلتا مصر بالمياه اللازمة للزراعة، وهي محافظات الغربية، والدقهلية، وكفر الشيخ، ودمياط، كما تعتبر المصدر الأساسي لتوصيل المياه إلى سيناء، عبر ترعة السلام التي تعبر قناة السويس من خلال سحارات ضخمة، وهي تعدّ الثانية في منطقة الدلتا، قبل قناطر إدفينا القريبة، التي تم البدء في إنشائها عام 1949، وافتتحها مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر في عام 1951، وتقع على بعد 20 كيلومتراً جنوبي مدينة رشيد، بالقرب من قرية أبيانة مسقط رأس الزعيم الراحل سعد زغلول.
شهدت قناطر زفتى في مطلع القرن الماضي، وبعد إنشائها بسنوات قليلة العديد من الأحداث الكبرى، ربما كان من أبرزها إعلان استقلال المدينة التي تحمل اسمها، على يد المحامي الوفدي الشهير يوسف الجندي، الذي أعلن استقلال مدينته عام 1919 وأطلق عليها «جمهورية زفتى»، وقد كان هذا الإعلان سبباً في حصار المدينة من قبل القوات الإنجليزية لفترة من الزمن، شهدت مقاومة عنيفة من الأهالي، قبل أن يضطر الجندي إلى الهروب خارج المدينة، بعدما رصد الإنجليز مكافأة ضخمة مقابل رأسه، ففر خارجها عن طريق القناطر حتى استقرّ به المقام في السراي الذي كان يقيم به سعد باشا زغلول، في قرية مسجد وصيف القريبة، والتي تبعد عن زفتى بنحو 7 كيلومترات.
وقبل سنوات أعلنت الحكومة المصرية عن خطة لتطوير وترميم قناطر زفتى، شملت تدعيم مبنى القناطر وتأهيل فتحاتها والبغال الحجرية التي تحمل البوابات، إلى جانب إعادة تأهيل المباني، وتدعيم وتجديد الهدار الواقع خلف مبنى القناطر.
واستمرت خطة التطوير خمس سنوات من العمل الجاد، بسواعد وكفاءات فنية وطنية، بعد دراسة جدوى فنية وبيئية واقتصادية للقناطر، بمعرفة مكتب استشاري فرنسي، أظهرت كفاءة منشآتها، مع الحاجة لتنفيذ عملية تأهيل على مرحلتين لرفع كفاءتها، وثباتها، وضمان استقرارها وإطالة عمرها الافتراضي.