نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإنتاج الاجتماعي للفضاء الحضري! - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 1 يونيو 2025 12:28 صباحاً
Henri Lefebvre هو عالم اجتماع وفيلسوف اهتم بكتاباته حول الحق في المدينة وإنتاج الفضاء، وهو مؤلف لكتاب «The Production of Space». لقد قدم Lefebvre إطارا نظريا حول ممارسات التخطيط العمراني وإنتاج «الفضاء الاجتماعي» باعتباره يمثل التجربة الذاتية التي تتأثر بالعواطف والسلوكيات الشخصية، وهو يختلف تماما عن الفضاء المكاني المجرد ونعني به التنظيم المكاني لاستعمالات الأراضي في المدينة، والذي يؤثر على صياغة معنى الحياة اليومية للمجتمع بما في ذلك ممارسة العمل والتسوق والترفيه.
في الواقع، إن الفضاء الحضري ليس مجرد حيز مكاني لاحتواء السكان؛ بل هو محصلة لإنتاج المجتمع التراكمي من خلال الثقافة والتجربة والقيم والعلاقات الاجتماعية. يحاول مخططو المدن إنتاج فضاء حضري من خلال تطوير هدف استراتيجي قائم على تحليل الموارد الكامنة في المدن وتوظيفها بالشكل الأمثل. وفي مرحلة صياغة الخطة العمرانية يتم إشراك أصحاب المصلحة واستجلاء التحديات التي يمكن أن تحول دون تنفيذ التطوير العمراني للفضاء الحضري. ويلعب المجتمع دورا فاعلا - أو هكذا يفترض - من خلال المشاركة في صناعة الخطة والمسار الإجرائي والتقويم. ومع ذلك، يجادل Lefebvre أن إنتاج الفضاء الحضري في نهاية المطاف هو إما مجرد فضاء مادي مُجرد، أو فضاء ذهني يتخيله المخططون ولكنه لا يمثل بالضرورة المجتمع. ولكن الفضاء الذي يعيشه المجتمع أو يُنتجه فعليا يختلف تبعا للتجربة الفردية التي تتأثر بتفسير الصور والمشاعر والانفعالات.
إن الحياة اليومية التي نعيشها هي مزيج بين الحقيقة والوهم أو الواقع والأحلام، فالإنسان يعيش ضمن إطار محدد تحكمه ضغوط العمل والأسرة ومتطلبات الزوجة والعلاقات الاجتماعية. إنها حياة مستعمرة مملة يتشاركها الجميع في إطار يتشكل عنوة لخدمة القوى الاقتصادية الرأسمالية.
إن إنتاج الفضاء الحضري غالبا ما يتم بفعل القوى الاقتصادية أو الطبقة المهيمنة في النظام الرأسمالي. وعلى ذلك فتطوير أساليب المعيشة للمجتمع أمر حاسم للخروج من هذه البقعة المظلمة نحو الحياة الطوباوية بديلا عن محاولة السيطرة على المجتمع من خلال تشكيل الفراغ الحضري الذي يخدم قوى السوق والمتنفذين.
هذا الفكر مناهض للرأسمالية التي يراها كرست التحكم المجرد والسيطرة من القوى الإنتاجية على حساب المجتمع. وفقا لذلك، فإن أنشطة الاستثمار بالفضاء الحضري والمضاربة في الأرض هي وسيلة للحصول على الثروة بمعزل عن الإنتاج، وهذا يدفعنا إلى التفكير في تحويل الأرض من قيمة سلعية إلى قيمة طبيعية كالهواء والماء. وفي المقابل، هذا لا يعني الميل للاتجاه الماركسي الذي أهمل أساسا ترجمة الفكر الاقتصادي نحو الجانب المادي، حيث فشل المخططون في إنتاج فضاء حضري اشتراكي باستنساخ نماذج عمرانية لا تعبر عن الفضاء الاجتماعي.
يرى Lefebvre بأن المدينة ليست مجرد تراكمات سكانية اعتباطية في الفضاء فالمجتمع صنع مساحتها الخاصة وفقا للمناخ الفكري المناسب له. وعلى ذلك فإن أي وجود اجتماعي مختلف يجب أن يرتبط بصناعة فضاء اجتماعي قادر على الخروج من الأيديولوجية السائدة ليشكل كيانا حقيقيا؛ وفي حال عجز عن ذلك فسيكون كيانا غريبا.
إن إنتاج الفضاء الحضري يفترض أن يكون نتاجا اجتماعيا قائما على ممارسة اجتماعية لمعنى الحياة وترجمتها إلى فضاء حضري، والأهم أن يعكس إنتاج المجتمع نفسه وليس قوى مهيمنة. باختصار، فإن الفضاء الحضري يمكن إنتاجه من خلال تطوير الأرض التقليدي، وهو يختلف عن الفضاء الذهني أو فضاء الفلاسفة، الذي يمكن أن نتخيله كمخططين للمدينة دون أن يكون له وجود مادي؛ ويختلف أيضا عن الفضاء الاجتماعي، والذي يبنى اجتماعيا من خلال التجربة الحية والتفاعل الواقعي.
0 تعليق