نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأطفال والمعرفة الرقمية: تحولات في النمو والوعي - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 22 يونيو 2025 12:04 صباحاً
في زمن لم يكن منبع المعرفة فيه إلا المدرسة، أو كتابا على رف، أو حديثا بين طفل ووالده، كانت معارف الأطفال تنمو بوتيرة بطيئة، لكنها متزنة. أما اليوم، فقد تبدلت خارطة المعرفة لدى الأطفال بشكل غير مسبوق. بات الطفل لا يحتاج إلى أكثر من لمسة إصبع على شاشة ليصل إلى ما كان يتطلب من الأجيال السابقة سنوات من البحث والدراسة. لم تعد المدرسة المصدر الوحيد، ولا حتى الأهم، بل أصبحت المعرفة في متناول اليد، لكن من دون مرشِد.
ألقى هذا التغير بظلاله على النمو المعرفي للأطفال، فبينما يبدو أن الطفل بات «أكثر وعيا»، إلا أن هذا الوعي لا يحمل بالضرورة عمقا حقيقيا. الوصول إلى المعلومة لا يعني فهمها، بل يمنح الطفل أحيانا وهما بالمعرفة يعيق سعيه نحو تعلّم أعمق. الطفل الذي يستطيع أن يصف دورة الماء في الطبيعة لأنه شاهدها في مقطع مصوّر، قد لا يفهم الفرق بين التبخر والتكاثف، لأنه لم يختبر الفكرة، ولم يناقشها، ولم يُسأل عنها. وهذا مثال بسيط على اتساع الفجوة بين التعلّم الرقمي السريع والتعلّم القائم على التحليل والتجريب.
لكن الأخطر من ذلك أن هذه النوافذ المفتوحة على العالم لم تقتصر على العلوم والمعارف، بل وصلت إلى مناطق حساسة من وعي الطفل، لعل أبرزها الجانب الجنسي. لقد بدأت بعض الأسئلة تُطرَح من أطفال لم يبلغوا العاشرة بعد، بأسلوب لم يكن مألوفا سابقا، مثل: ما معنى هذه الكلمة التي سمعتها في فيديو؟، أو لماذا يرتدي هذا اليوتيوبر ملابس مثل البنات؟، أو لماذا يتحدثون عن الحب بهذه الطريقة؟. ليست هذه الأسئلة دليلا انحراف أو خلل، لكنها مؤشر على وعي سابق لأوانه، وفضول نشأ في بيئة غير آمنة معرفيا.
يحدث هذا في ظل غياب الحوار التربوي في كثير من البيوت، أو حضوره بطريقة قمعية تعتمد على المنع والترهيب، مما يدفع الطفل إلى البحث عن إجابات في أماكن أخرى، غالبا ما تكون مضللة أو مشوّهة. المحتوى الذي يتعرض له الطفل ليس غنيا فحسب، بل أيضا غير مفلتر، وقد يختلط فيه الصحيح بالمثير، والمعلومة بالخيال، والصورة الواقعية بالمبالغة الجنسية، وكل ذلك يؤثر في تشكيل تصورات الطفل عن الجسد، والعلاقات، والهوية.
لقد تغيّرت ملامح الطفولة في هذا العصر؛ فلم يعد الطفل «طفلا» بالمعنى التقليدي، بل فرد يعيش في عالم مفتوح، يتلقى مؤثرات تفوق قدراته النفسية على الاستيعاب والتفسير. وهذا لا يعني أننا أمام جيل ضائع، بل أمام جيل مختلف، يحتاج إلى أدوات تربوية تناسب معطياته الجديدة.
وإن من أهم ما يمكن أن نقدمه لهذا الجيل هو التربية الجنسية الوقائية، التي لا تقوم على التجهيل، بل على تقديم المعلومة المناسبة في الوقت المناسب، بلغة يفهمها الطفل، من دون تخويف أو خجل. فالصمت لم يعد وسيلة حماية، بل قد يكون دعوة للطفل لأن يبحث عن المعلومة بنفسه، من دون أن يمتلك القدرة على تقييمها. وكذلك الأمر في التربية الإعلامية، التي ينبغي أن تُعلِّم الطفل كيف يميّز بين المعلومة الصحيحة والزائفة، وبين ما هو مناسب لعمره وما هو تسويقي بحت، وبين الواقع والمحتوى المصطنع.
لقد أصبح من الضروري أن نعيد تشكيل دورنا كراشدين، لا كمصادر معرفة فقط، بل كمرافقين للطفل في رحلته نحو الفهم والنضج، من دون أن نسقط عليه تصوراتنا، أو نمنعه من التساؤل. المطلوب هو مزيج من التوجيه والانفتاح، ومن الرقابة الذكية والحوار المستمر، ومن الحماية دون الحجر.
نحن نعيش عصرا لا مجال فيه للعزل، ولا جدوى فيه من المنع التام. بل نحتاج إلى خطاب تربوي جديد، يتعامل مع الطفل ككائن قادر على الفهم، لكنه بحاجة إلى من يساعده على البناء لا على الكبت، وعلى الاكتشاف لا على الإنكار.
أخبار متعلقة :