رفاهية خوض التجربة - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رفاهية خوض التجربة - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025 09:37 صباحاً

أحيانا يصاب العقل بحيرة وشتات، ويغوص في تساؤلات جمة تُغرقه وكأنما تم قذفه في محيط كبير بمرساة ثقيلة تهبط به في عُمق أفكاره.. ويغرق هذا العقل في قضايا متشعّبة، ويتمنى لو يجد قضية واحدة يستطيع تحديدها فيحارب من أجلها ويتمسك بها كما يتمسك الغريق بقشّة أملا منه في النجاة.

فيشعر بالضعف لدرجة أنه يمد يده لأي أحد يحاول التقاطه ومساعدته،
ولكن وبعد تفكير مليّ في الأمر أيقنت أن الإنسان لن يصل إلى شاطئ النجاة دون أن يسبح إليه بنفسه، وأن التجربة في خضمّ هذه الأفكار هي خير برهان ودليل لاكتساب اليقين وما يليه من الخبرة والمهارة.

فعندما تهم بالسؤال وطلب يد العون ممن هم أقران لك، أو ممن كان لهم خبرات أعلى وأكثر في هذه الحياة، فغالبا ستحصل على إجابات زاويتها تطل على ما جربوه في حياتهم، هم وما سعوا لأجل تحقيقه.. وستدرك حينها أن منظورك وما تهدف إليه مغاير تماما عما وجدته منهم.

ولست أختلف مع نقطة تشارك التجارب والاستفادة ممن سبقنا في خوضها، وأنها بالفعل قد تضخ بالمعارف والخبرات الجاهزة المقدمة على طبق من ذهب، ولكن لدي قناعة تامة أن الإنسان إذا أراد أن يقرر أمرا أو أن يتعمق في تجربة ما، لا بد أن يستفتي قلبه أولا.. ولا بد من أن يخوض غمار هذا المعترك بنفسه حتى يُشبع فضوله ويتعلّم.

فالمعارك الحقيقية وُجدت لمن يحمل الشجاعة الكافية لخوضها والتعلم منها والاستفادة من عثراتها قُبيل أن يثبّت قدمه وينتصر فيها.

عندما أتخيل الحياة تبدو لي وكأنها لعبة اختيارات مكونة من عدة مراحل، وهذه اللعبة ليست لمجرد الرفاهية والتسلية؛ ففي كل مرحلة منها يوجد هنالك ما يقتضي التمعّن والتفكّر، والتعلّم أيضا.

خيارات كثيرة تبدأ معنا منذ اللحظة التي نولد فيها، ولكن الفرق أننا في مراحلنا المبكرة لسنا بمسؤولين عن هذه القرارات والاختيارات، فنخوض اللعبة بأيدٍ غير أيدينا.

وتُفرض علينا أمور عدة، كأسمائنا أو العائلة التي ننتمي إليها أو لون أول قطعة قماش تكسونا.. شيئا فشيئا حتى نتمكن من الإمساك بزمام الأمور وننطلق في رحلة البحث عن القصة الأمثل لعيشها.

في مراحل العمر المُبكرة من الطبيعي جدا أن يتم رسم مساراتنا من قبل من هم أكبر وأعلم منا، وهذا ما يصنعنا ويشكل قناعاتنا ويفيدنا في إكمال الحياة، فنحن نتاج هذه البدايات، وكينونتنا لا بد أن ترتبط ارتباطا وثيقا بما جُبلنا عليه.

ولكن عندما تبدأ شخصياتنا بالتجسّد ونبدأ باكتشاف ذواتنا، فلا بد من أخذ مساحة نستطيع فيها أن نمارس حرية الاختيار، حتى وإن صاحب هذه الخيارات فشل أو تعثّر، فلا يصادر ذلك حقنا في تجرّع مرارته والاستفادة منه لأقصى درجة ممكنة، ولست بقولي هذا أقسو على الأهل أو أحرّض الأبناء على العصيان بل العكس، وأعلم أنه من الصعب على الوالدين أن يرفعا يدهما تماما عن طفلهما حتى وإن أصبح رجلا قائما بذاته، فهذه طبيعة قد فطر الإنسان عليها، ولكن لا بأس بأن نستوعب أنه أحيانا من مصلحة أبنائنا أن تكون لهم أحقية التجربة، وأن يتحول دورنا من اتخاذ قرارات حياتهم إلى الإشراف والمتابعة والإدلاء بخلاصة الخبرات ووجهات النظر، مع كامل الاحترام للاختلافات الفكرية والعاطفية والنفسية بيننا وبينهم.

ابنك ليس امتدادا لك، وإنما هو إنسان مستقل له حق السيادة عندما يتعلق الأمر بحياته، فلا بد أن يجرب ويخطئ وينجح ويتعثر حتى يستقيم.
فلا تُستخلص عصارة الاستقامة إلا من غَور قنّينة المرارة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق