نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أمريكا تفرض قواعد سيطرتها في قمة الذكاء الاصطناعي - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 18 فبراير 2025 11:25 مساءً
وبالرغم من أن قمة باريس دعت في بيانها الختامي إلى تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي بشكل مفتوح وأخلاقي وتحت حوكمة دولية بما يطور هذه الصناعة ويجعلها أكثر تنافسية وفائدة للعالم أجمع، مما دفع 61 دولة إلى التوقيع عليه، بما في ذلك فرنسا، وألمانيا، والهند، والصين، فإن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة امتنعتا عن التوقيع، مما أبرز الانقسامات الدولية حول كيفية تنظيم واستخدام هذه التقنية المتقدمة.
ويمكن فهم الموقف البريطاني بعد تصريح المتحدث باسم رئيس الوزراء، الذي أوضح أن المناقشات لا تزال جارية، وأن بريطانيا ستنضم إلى مبادرات أخرى وستواصل العمل مع شركائها، بما في ذلك فرنسا، في إشارة منها إلى وجود خلافات ربما تكوت شكلية، ويمكن الاتفاق حولها، لكن الموقف الأمريكي يحتم الوقوف عنده وسبر أغوار تحذيرات نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، الذي قال إن التنظيم المفرط قد يعيق قطاع الذكاء الاصطناعي، داعيا إلى نهج يشجع على الابتكار والتطوير دون قيود صارمة، محذرا في الوقت ذاته من التعاون مع الأنظمة الاستبدادية في تطوير هذه التقنية، في إشارة واضحة إلى الصين.
لكن قبل الخوض في الحديث عن الامتناع الأمريكي، ينبغي المرور على ما تفضل به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال القمة، وكان طرحه بمثابة الإجابة الشافية على التعنت الأمريكي، حيث قال إن تركّز قدرات الذكاء الاصطناعي في أيدي عدد محدود من الشركات، قد يؤدي إلى تعميق الفجوات الجيوسياسية وزيادة التفاوت العالمي، مؤكدا على ضرورة أن يخدم الذكاء الاصطناعي البشرية جمعاء، وليس أن يزيد من حدة الانقسامات.
وعند الأخذ بما تفضل به أمين عام الأمم المتحدة، فإن ذلك يعني المضي قدما في بناء الثقة في صناعة الذكاء الاصطناعي لضمان تطويره واستخدامه بشكل آمن وأخلاقي بما يخدم مصلحة البشرية جمعاء، من خلال التركيز على 4 محاور مهمة تتمثل أولا في الشفافية لتوضيح كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي والقرارات التي تتخذها، مما يعزز فهم وثقة المستخدمين، وثانيا تأتي المساءلة لتحديد الجهات المسؤولة عن مخرجات وتبعات استخدام الذكاء الاصطناعي، لضمان وجود آليات لمراجعة ومعالجة الأخطاء أو الانتهاكات.
أما الثالثة فهي الشمولية التي تقتضي ضمان استفادة جميع فئات المجتمع من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتجنب تركيزها في أيدي قلة، مما يساهم في تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، ليأتي بعد ذلك المحور الرابع والأهم وهو التعاون الدولي الذي يضمن تعزيز الحوار والتنسيق بين الدول لوضع معايير وأطر تنظيمية مشتركة، تضمن استخداما مسؤولا وأخلاقيا لهذه التقنية.
لكن هذا النهج لم ولن يتماشى مع السياسة الأمريكية، فهي رفضت التوقيع على بيان قمة باريس للذكاء الاصطناعي، لأسباب رئيسية، تتعلق باستراتيجيتها تجاه هذه الصناعة، والاعتبارات الجيوسياسية، والمخاوف بشأن تأثير التنظيمات على الابتكار، فهي تعارض أي لوائح يمكن أن تعيق تطور شركاتها التكنولوجية الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ يرى المسؤولون الأمريكيون أن وضع قيود صارمة قد يحد من قدرة الشركات الأمريكية على الابتكار والمنافسة في السوق العالمية، خاصة مع تصاعد المنافسة مع الصين.
كما أنها تمتلك أكبر شركات الذكاء الاصطناعي في العالم، مثل OpenAI، Google DeepMind، Meta، Microsoft، وNVIDIA، وهذه الشركات تعتمد على بيئة تنظيمية مرنة، والإدارة الأمريكية ترى أن أي التزام دولي قد يفرض قيودا إضافية تؤثر على قدرة هذه الشركات على النمو بحرية، في حين هذه الإدارة وكما هي عادتها تفضل تنظيم الذكاء الاصطناعي من خلال قوانين محلية، مثل أمر الرئيس بايدن الذي أصدره في أكتوبر 2023، والذي يفرض معايير جديدة على الشركات الأمريكية لضمان أمان الذكاء الاصطناعي، لكنه لا يتضمن التزامات دولية واسعة.
ولا ننسى أن شركات التكنولوجيا الأمريكية تضغط على الحكومة لتجنب الالتزامات الدولية التي قد تؤثر على تفوقها، فبعض هذه الشركات تخشى أن تؤدي القيود التنظيمية إلى نقل الابتكار إلى دول أخرى مثل الصين والهند، حيث قد تكون القوانين أكثر مرونة.
وخلاصة القول، فإن أمريكا ترى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في تطبيقات عسكرية وأمنية حساسة، لذا فإن الاحتفاظ بالتحكم في تطويره دون التزام بقيود دولية يُعد أولوية للأمن القومي، كما أن امتناعها عن التوقيع لا يعني رفضها الكامل لتنظيم الذكاء الاصطناعي، لكن ذلك يعكس رغبتها في السيطرة على القواعد بدلا من الالتزام بها.
0 تعليق