نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
علبة زبادي - الهلال الإخباري, اليوم الأربعاء 19 فبراير 2025 03:19 مساءً
صار يتكلم في جواله همسا، لكن أذني الفضولية أبت إلا أن تسمع كلامه الذي يفيض غزلا وعشقا ومودة ورحمة بمن تبدو أنها زوجته، وخاصة عندما ألح في سؤاله: ماذا أحضر لك معي؟ مسبوقا ومتبوعا بكلمات الغزل التقليدية.
في المترو عالم آخر بل مدرسة حياة؛ فهو مثل التّرام (وسيلة نقل قديمة عبر سكك حديدية تمتد على طول مسارات الطرق بجوار السيارات، وما زال مستخدما في بعض البلدان) الذي قال عنه الأديب علي الطنطاوي رحمه الله "إن الترام يكشف أخلاق الناس، وطبائع البلدان، وهو مدرسة يرى المرء فيها القبيح من جاره فيتركه، والحسن فيتعلمه، ودليل على طباع كل قُطر، ونموذج من حياته".
نعم.. فيه تدرك اختلاف الأذواق والسلوكيات والأنماط والأفكار والأشكال، وتشاهد عجائب التصرفات، فذاك ينظر إليك وكأنه لم ير إنسانا قط، وآخر يتكلم بصوت عالٍ يشق الآذان، وثالث لا يفتر نظره عن جوال من بجواره!
ورأيت سعوديا تعرف على عماني، فما كان من السعودي إلا أن ألح على استضافة العماني لتناول العشاء في أبهى صور الترحيب والكرم، ورأيت فتاة تعطي مكانها لرجل!، وشاهدت أطفالا أشقياء دون مبالاة من أهاليهم وكأنهم في بيوتهم، واستمعت إلى حوارات ماتعة ونقاشات بيزنطية ونكات مستهلكة ومعلومات "على الطاير" وأحاديث نساء خاصة وسواليف كبار السن.
كما أن طاقة المترو عجيبة، فهو يجمع المبتسم والحزين والمحتار والعبوس والغاضب والعاشق والنفسية، في هالة من تناقضات مشاعرية متداخلة عابرة ومتغيرة سريعة، حسب الزمان والمحطة والمسار.
أما طرائف النزول والطلوع واستخدام الدرجة الأولى والأفراد فكثيرة جدا.
وعجبت لمن لا يجرب المترو، فيتأمل ويستجلب المعاني من داخله أو من المباني والطرقات التي يشاهدها أثناء الرحلة، ويراقب عجلة الحياة وصخبها ويستلهم شيئا من فلسفتها.
قيل لحكيم: كيف وجدت المترو؟
قال: مشروع جبار غير حياتي 180 درجة.
قيل: وكيف ذاك؟
قال: جعل المسافات أسهل وأسرع وأقرب، وعدد الخيارات ووفر الجهد والمال.
قيل: فأي المحطات أفضل؟
قال: تلك التي يتقاطع فيها الأصفر مع الأزرق!
قيل: فما تعلمت من القطار؟
قال: تعلمت ألا معنى من الفوات في حياة هي في أصلها فائتة، فإن فاتك قطار جاء غيره بعد دقائق، وإن لم يأت فلا تتحسر على شيء لم يُكتب لك فيه قسمة ولا نصيب.
ثم إن الشاب "العريس" واصل غزله لزوجته ملحا عليها أن تطلب منه شيئا قبل عودته إلى العُش، ومضت لحظات عصيبة منتظرين ماذا ستطلب منه، قبل أن يبدي صدمته بقوله "علبة زبادي بس؟!!"، استغربتُ طلبها معه واستغرب مشرف المحطة، وعم الاستغراب أرجاء المترو.
كدت أن ألتفت إليه وأقول: هنيئا لك هذه الزوجة، ولكن اصبر فما هي إلا شهور وستطلب منك لبن العصفور.
0 تعليق