نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الطلاق لأسباب واهية.. عبث يهدد بيوتاً فقدت المودة والرحمة - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 11 مايو 2025 12:15 صباحاً
دخلت السيدة الخمسينية إلى المحكمة وهي تقول: «زوجي طلقني لأن كلامي لم يعجبه عن المسلسل الذي كنا نتابعه!»، فيما وقف الزوج يُقسم قائلاً: «إن تعليق الزوجة على المسلسل جعله يشعر بأنه لا يعرف من عاش معها ثلاثين عاماً».
في واقعة أخرى، رفعت زوجة قضية طلاق للضرر، بسبب إدمان زوجها لألعاب الفيديو وقضائه أوقاتاً طويلة دون أن يكلمها وعندما حاولت تنبيهه، استهزأ قائلاً: «اللعبة أهم مما تطلبين». وثالثة طلبت الطلاق، لأن زوجها دائم نسيان عيد ميلادها.
هذه بعض وقائع الطلاق لأسباب واهية وحجج ضعيفة، من واقع سجلات المحاكم وملفات محاميي الأحوال الشخصية، فهل الحفاظ على استقرار البيوت والركون إلى المودة والرحمة، لا يساوي التغاضي عن توافه الأمور؟
مبررات غير موضوعية
لا شك أن ظاهرة الطلاق تقض المضاجع وترهق المؤسسات الاجتماعية المختصة بالشؤون الأسرية، خاصة إذا كان وراءها أسبابٌ لا ترقى إلى حتمية إنهاء العلاقة الزوجية ويتسبب تراكم أسباب المشاكل البسيطة إلى جفاء في العلاقة وكثرة المشاكل، حيث يصبح الأمر مؤسفاً، وغير قابل للاحتواء أحياناً.
كما أن انتشار الطلاق لمبررات غير موضوعية وذرائع سطحية، ظاهرة تدعو للبحث في الموقف القانوني والأمثلة كثيرة، فقد تقدمت زوجة بطلب الطلاق لأنها رأت رسائل مهنية بين زوجها وزميلته في العمل، انطوت على بعض المزاح وعندما راجعته، سخر منها قائلاً: «هل تغارين من شغلي؟» وأصرت على الطلاق بعد أن شعرت بأنه يستهين بها.
وفي دعوى أخرى، ذكرت زوجة أنها لا تحتمل صوت مضغ زوجها الطعام، قائلة أنه يصيبها بالقرف والغثيان، فيما أصرت أخرى على الطلاق لأن زوجها بارد عاطفياً وليس ذلك فحسب، لكن هناك وقائع لا تصدق ومثيرة للتعجب والسخرية، فقد طلبت زوجة الطلاق بسبب عدم حب زوجها لشاي «الكرك».
القشة القاصمة
ظاهرياً هناك أسباب لا تكون كافية لإنهاء حياة زوجية عمرها أكثر من عقدين، هذا هو رأي المستشار القانوني د. يوسف الشريف، حيث قال: إن ما يبدو سببًا واهياً للطلاق، قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير، بسبب أعوامٍ من الكتمان، أو شعور داخلي بالتراكم والخذلان، فالطلاق لا يقع لحظة التفجر فقط، بل يتشكّل بالصمت خلال سنين، حتى لو جاء بعد مزاح ثقيل أو تعليق عابر أو خلاف بسيط.
وكثيراً ما يُساء فهم دوافع الطلاق حين تنحصر في ظاهر السبب ويُتهم أحد الطرفين بالاندفاع أو المبالغة، لكن القانون الإماراتي، رغم حرصه على تماسك الأسرة، لا يغفل حق الإنسان في الكرامة والراحة النفسية والاستقلال العاطفي، لهذا يترك للمحكمة مساحة تقديرية في فحص الأسباب، دون الحاجة لإثبات الضرر الجسيم، بل يكفي أن تُثبت تزعزع العشرة وانعدام الأمان العاطفي.
ويؤكد الشريف، أن بعض الحالات تُظهر أن الاستمرار كان قائماً فقط على الالتزامات، لا على التفاهم، فما إن يكبر الأبناء أو يستقر أحد الطرفين مادياً أو نفسياً، يبدأ في مراجعة حساباته، ويتساءل: «هل أريد أن أقضي بقية عمري في علاقة لا تُشبهني؟».
ويرى أن مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى تثقيف مجتمعي عميق حول فهم الزواج بوصفه رحلة، لا محطة ثابتة، إلى جانب استشارات زوجية فعالة ومبكرة، تتدخل قبل أن تتراكم الأمور ويضيع صوت الطرفين ووجوب إصلاح منظومة الإصغاء القضائي، بحيث لا تكتفي المحكمة بسماع ما قيل، بل تبحث عمّا لم يُقل.
وقائع أخرى
لأن الزواج عبارة عن مؤسسة وليس لعبة يمكن إنهاؤها في أية لحظة دون أسباب حتمية وجبرية، نعود لسرد بعض الأسباب غير الجوهرية لوقائع طلب طلاق شهدتها بعض الدول هنا وهناك.
فهذه زوجة طلبت الطلاق لأن زوجها يرفع صوته أثناء الحديث بصورة مزعجة وآخر طلق زوجته لنبرة صوتها الحادة والغاضبة وضحكها غير المبرر بصوت مرتفع، مما يسبب له إحراجاً أمام أسرته وأصدقائه وهذا زوج أدى منعه زوجته من الذهاب لصالون التجميل إلى إصرارها على الطلاق، وأخرى طلبت الانفصال لأن زوجها يرفض إجراءها لجراحة تجميلية.
نواة المجتمع
وعن ظاهرة الطلاق إجمالاً وأسبابها، لاسيما الواهية قال المحامي محمد عبد الله الرضا: إن القانون الإماراتي يولي الأسرة مكانة محورية بوصفها نواة المجتمع، مستنداً إلى منظومة الشريعة الإسلامية والنظام الاجتماعي ومبادئ الدستور بالدولة.
ومع تسارع التحولات المجتمعية، برزت أنماط جديدة من الخلافات الزوجية، أبرزها طلبات الطلاق المبنية على أسباب واهية لا تُشكّل ضرراً جوهرياً يبرر إنهاء العلاقة الزوجية المقدسة وقد تعامل المرسوم بقانون اتحادي رقم 41 لسنة 2024 بشأن الأحوال الشخصية مع هذا الواقع برؤية حديثة، تجمع بين المرونة التشريعية في منح الزوجين حق إنهاء العلاقة وبين الضوابط القضائية والأخلاقية التي تحول دون التعسف في استخدام هذا الحق.
وأضاف: إن الطلاق لا يُعد وسيلة عبثية، أو لا يُراد له أن يكون أداة تهور لإنهاء العلاقة عند أول اختلاف أو شعور بالفتور، حيث إن القانون الجديد اعتمد مبدأ الإرادة الحرة كأحد مرتكزات تنظيم الطلاق.
ويُجيز هذا القانون لكل من الطرفين طلب الطلاق عند استحالة استمرار الحياة الزوجية، لكن هذه الاستحالة ليست شعوراً عابراً أو نزوة مؤقتة، بل لابد أن تستند إلى أسباب جوهرية تفضي إلى تفكك فعلي في العلاقة الزوجية وتنذر بعدم تحقيق مقاصد الزواج من سكن ومودة ورحمة.
وأوضح الرضا أن القاضي يُدرك، بحسب السوابق القضائية والمبادئ المكرسة، أن الحرية في إنهاء الزواج لا تُفهم بمعزل عن حماية كيان الأسرة من الانهيار بسبب دوافع سطحية أو قرارات انفعالية، فهنا يتدخل القضاء بروح القانون لا بحرفه، فيحرص على التأكد من جدية الأسباب وواقعيتها.
وتابع، أنه عند تلقي طلب الطلاق، لا تتعجل المحكمة، بل تتبع منهجية قانونية دقيقة تبدأ بدعوة الطرفين لمحاولة الصلح والتحقق من الدوافع، إضافة إلى مراعاة مصلحة الأبناء واستقرارهم النفسي والاجتماعي وتقدير التبعات المالية من نفقات ومستحقات وتعويضات وإن لم يفض الصلح إلى نتيجة، فإن المحكمة تفصل في الطلاق بما يتناسب مع حماية الطرف المتضرر من التعسف وألا يكون الطلاق وسيلة للتنصل من الالتزامات.
حلول ممكنة
نوَّه محمد الرضا، إلى أن الطلاق لأسباب واهية لا يُواجه فقط في قاعات المحاكم، بل في وجدان المجتمع نفسه والتصدي له يتطلب حلولاً قانونية واجتماعية متكاملة، منها تشريعياً، استمرار تطوير الضمانات التي تُقيّد الطلاق التعسفي، عبر فرض تبعات قانونية ومالية، على من يطلب الطلاق دون مبرر معقول.
وقضائياً، يجب ترسيخ مبادئ الاجتهاد القضائي، التي تؤكد أن الطلاق يجب أن يكون ملاذاً أخيراً لا كخيارٍ أولَ، أما اجتماعياً فلابد من تكثيف جهود التوعية الأسرية، عبر برامج الإرشاد قبل الزواج وبعده، لتعليم الأزواج فن إدارة الخلافات وتجاوز الأزمات وإعلامياً لابد من نشر ثقافة المسؤولية في الحياة الزوجية والتمييز بين الخلافات الطبيعية وبين الأسباب الحقيقية التي تستوجب إنهاء الزواج. ولفت إلى أن قانون الأحوال الشخصية الجديد منح الزوجين حرية طلب الطلاق، لكنه لم يجعلها حرية مطلقة، فالأسرة ليست عقداً تجارياً ينتهي بانتهاء المصلحة، بل كيان اجتماعي وأخلاقي يجب صيانته، والطلاق لأسباب واهية يُعد صورة من صور التعسف في استعمال الحق ويستوجب موقفاً موحداً من المشرع والقاضي والمجتمع، حفاظاً على كيان الأسرة وحمايةً للأجيال وصوناً لتماسك المجتمع الذي يُشكل إحدى ركائز دولة الإمارات.
أسباب ووقائع
ترى المحامية مريم شامس، أن تغير القيم أحد أسباب الطلاق وأرجعت ذلك إلى تأثير الثقافات العالمية، مما قد يؤدي إلى تصادم فيها بين الأزواج، فضلاً عن عدم التوافق، حيث اختلاف الأهداف والطموحات يمكن أن يسبب مشكلات مستدامة، إضافة إلى فقدان أو نقص التواصل بين الأزواج والاكتفاء بجلوس كل طرف على هاتفه النقال وحالات العنف المنزلي، التي تؤدي إلى انفصال الضحايا بحثاً عن الأمان.
وروت أن إحدى حالات الطلاق لأسباب غير جوهرية، كانت بسبب طلب الزوجة سيارة تفوق قدرة الزوج المادية وتؤدي لإيقاعه في ديون مدى الحياة، فضلاً عن زوجة طلبت الطلاق لعدم اهتمام الزوج بأمور المنزل، رغم أنه قد يكون مشغولاً بالعمل، إلا أنها شعرت بالإهمال، كما أن هناك زوجاً طلَّق زوجته، بعد مرور عام على الزواج، بسبب زيادة وزنها، ورفضه إعطاءها مصروفاً لإجبارها على التخفيف في تناول الطعام.
الأنشطة المشتركة
وأوضحت مريم شامس، أن من الأسباب السطحية للطلاق اختلاف الاهتمامات، فقد تشعر الزوجة بأن شريكها لا يشاركها اهتماماتها، أو أن هناك فجوة في الأنشطة المشتركة، مما يجعلها تشعر بالوحدة، كما أن التغيرات البسيطة في نمط الحياة، مثل الانتقال للعيش بمنطقة جديدة أو الانشغال بالعمل، قد تؤدي إلى شعور الزوجة بأن حياتها ليست كما كانت، علاوة على عدم التقدير.
وأشارت إلى أن الحلول المنطقية لهذه الحالات، تتطلب من التوجيه الأسري تقديم برامج استشارية لمساعدة الأزواج في معالجة مشكلاتهم وعلى الدعم القانوني توفير المشورة القانونية لحماية حقوق الزوجين، مع التوعية بحقوق طرفي العلاقة الزوجية ونشر الوعي حول حقوق المرأة والرجل لضمان سلامتهما.
من جانبه، حدد المحامي محمد راشد الكتبي، أسباب أخرى للطلاق منها قلة الصبر وعدم المرونة والشك وقال: إنه يجب على الأزواج وبشكل قطعي تجنب إدخال الشك في العلاقة الزوجية، لافتاً إلى أن لجان الإصلاح الأسري تقوم بدور فعال في المجتمع، لكن في الخلافات الزوجية، يكون التقصير من بعض الأزواج، الذين يأخذون المشورة من بعض الأقرباء، الذين ليست لديهم دراية بحل المشكلات بشكل صحيح، لذا يجب حل جميع الإشكالات المتعلقة بالأسرة بين الزوجين فقط، دون تدخل طرف آخر ويجب عدم التسرع في الطلاق حفاظاً على حقوق الأسرة.
ظاهرة خطِرة
وفقاً للرأي الشرعي، أكد د. سالم محمد الدوبي، مدير إدارة الوعظ والإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية بالشارقة، أن ظاهرة الطلاق من الظواهر السلبية الخطرة التي تهدد بنيان المجتمع، خصوصاً بين المتزوجين حديثاً وأنه مسألة لابد أن تلقى اهتماماً واسعاً من الجهات كافة، بما في ذلك الإعلام ومنابر النصح والإرشاد والتوجيه الأسري وشرائح المجتمع.
وقال: إن كثيراً من الجرائم منشؤها التفكك الأسري وحالة الإحباط الاجتماعي، وهذا يدعونا إلى أن نغرس في الشباب تحمل المسؤولية، ومواجهة متاعب الحياة، لأن التقصير يربك الأسرة، حيث إذا انشغل الزوج عن الاهتمام بزوجته، ربما تطلب الطلاق لأسباب تافهة، في حين إذا عرفنا عظم الرابطة بين الزوجين، لأيقنا عظم المسؤولية، حيث قال تعالى «وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً».
ناهيك عن أن تدخل الأهل بين الزوجين قد يؤثر سلباً على حياتهما، لذا لابد على العقلاء من التدخل لإصلاح الأسرة، لقوله تعالى «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا».
وأضاف: إن الدائرة تضم قسماً متخصصاً في الإصلاح والتوجيه الأسري، وتعرض الكثير من الحالات التي تحتاج إلى معالجات سريعة وكثير من هذه الخلافات ترجع إلى عدم الوعي بالحقوق والواجبات، أو بسبب الغضب لأتفه الأسباب، أو لعدم مراعاة الزوجين الألفاظ بينهما، أوعدم فهم حاجات ونفسيات كل منهما للآخر، فضلاً عن التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي.
0 تعليق