نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«شات جي بي تي».. هل أصبح وسيلة متطورة للغش؟ - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 8 يونيو 2025 11:47 مساءً
دبي: محمد نعمان
لم تعد قاعات الدراسة كما كانت قبل بضع سنوات، ولم تعد دفاتر الملاحظات وحدها وسيلة التحصيل المعرفي؛ فقد دخل الذكاء الاصطناعي إلى الفصول الدراسية، سواء بإرادة المعلمين أو بمبادرات الطلبة أنفسهم. وسرعان ما تحوّل من أداة مساعدة إلى رفيق دراسي دائم، يعتمد عليه بعض الطلبة في حل الواجبات والمسائل الصعبة، بل حتى في تنظيم المراجعات وتحضير الأبحاث والمشروعات. ومع هذا التحول، تبرز تساؤلات جوهرية عن مستقبل التفكير النقدي والاستقلالية الذهنية لدى الطلبة وهل أصبح الاعتماد على تلك الأدوات وسيلة متطورة للغش، أم أنه مجرد داعم ومُعين للطالب؟
يرى معلمون أن المشكلة لا تكمن في وجود أدوات الذكاء الاصطناعي، بل في غياب توجيه تربوي واضح لاستخدامه بشكل متوازن. مشيرين إلى أنهم لا يمكنهم منع الطلبة من استخدام التقنية، لكن يمكن تدريبهم على كيفية الاستفادة منها دون إلغاء دورهم العقلي.
الوسط التربوي، ينظر للذكاء الاصطناعي أنه نقلة نوعية في أدوات التعليم، إذ يتيح للطلبة الوصول إلى المعلومات بسرعة، ويوفر حلولاً فورية للمسائل الرياضية والفيزيائية، ويُرتّب خططاً دراسية شخصية تتوافق مع مستوى الطالب واحتياجاته. ومع تنامي قدرات التطبيقات الذكية مثل «تشات جي بي تي»، و«فولفرايم ألفا»، و«كلود 3» و«بريبليكستي»، أصبح من الممكن للطلبة فهم موضوعات معقدة في دقائق، عبر تفسيرات سهلة مدعومة بأمثلة وتمارين تفاعلية. غير أن هذا التحول الرقمي لم يخلُ من مخاوف؛ فالطلبة، بحسب مُعلمين وأكاديميين، بدأوا يعتمدون بشكل كبير على هذه الأدوات في كل ما يتعلّق بتأدية واجباتهم.
ويرى فريق من الأساتذة والخبراء التربويين أنها أداة تعليمية قوية تتيح للطلبة تطوير مهاراتهم وفهمهم وتوسيع آفاقهم المعرفية، بينما يُعرب آخرون عن قلقهم المتزايد من تحول هذه الأدوات إلى وسائل لتقويض قيم التعلم الجاد والاعتماد على الذات.
تعزيز الفهم العميق
يقول د. واثق منصور، أكاديمي، عميد كلية الهندسة ونظم المعلومات بجامعة دبي: «أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل «شات جي بي تي» يمكن أن تكون رفيقاً تعليمياً تحويلياً إذا استُخدمت بنزاهة ووعي. وتلك الأدوات أصبحت واقعاً لا يمكن تجاهله في المؤسسات التعليمية وسوق العمل، موضحاً أن قيمتها الحقيقية تتحدد بطريقة استخدامها».
وأضاف «الذكاء الاصطناعي ليس وسيلة للغش أو استبدال التفكير البشري، بل أداة قوية تعزز الفهم العميق، وتدعم الإبداع، وتكسر الحواجز أمام الطلبة، متى ما استُخدمت بنزاهة ووعي. الأمر كله يتعلق بالنية والهدف: هل أستخدم هذه الأداة للفهم والتحليل، أم للهروب من التفكير؟».
وقال: «تخيل طالباً يواجه صعوبة في فهم مفاهيم معقدة في مقرر إدارة متقدم، مثل «نظرية العدالة» أو «نظرية التوقع لفكتور فروم». قد تعرض الكتب الدراسية هذه النظريات بلغة معقدة وتجريدية، لكن عند سؤاله لأدوات الذكاء الاصطناعي لشرحها باستخدام أمثلة من الحياة العملية أو قصة سهلة، تتضح له الفكرة فوراً. وهناك طالب آخر يعمل على مشروع تخرج عن سلاسل التوريد المستدامة يستخدم شات جي بي تي لـ: استكشاف أحدث الاتجاهات في نماذج الاقتصاد الدائري، إنشاء مخطط تفصيلي منظم للتقرير
مراجعة مصادر أكاديمية للمزيد من البحث. في هذه الحالات، لا يقوم الذكاء الاصطناعي بكتابة التقرير أو إتمام التعلم نيابةً عنهم بل يدعم عملية التفكير ويكسر حواجز الفهم، ما يشجع على التفاعل العميق مع المادة»
تفاعل حقيقي
وأضاف «عندما يستخدم الطالب «شات جي بي تي» لشرح مفاهيم معقدة بأمثلة حياتية، أو لتنظيم أفكاره في مشروع تخرج، أو لمراجعة المصادر العلمية، فإن ذلك يُعد تفاعلاً حقيقياً مع المعرفة، ويعزز جودة التعلم. أما إذا لجأ إلى نسخ الردود من دون فهم أو تعديل، فهو يفقد جوهر العملية التعليمية ويُقوض تطوره الفكري».
وقال: «الاعتماد الأعمى على الذكاء الاصطناعي في أداء الواجبات يضر أكثر مما ينفع، ويُشبه الطريق المختصر الذي يؤدي إلى الفشل. قد يحصل الطالب على درجة في الواجب، لكنه يخسر الفهم الحقيقي. هذا النوع من الاستخدام هو غش أكاديمي واضح، وهو ما نحذر طلابنا منه دوماً».
وشدّد منصور، على أن «مسؤولية تعليم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي تقع على عاتق المؤسسات الأكاديمية، والهدف ليس إبعاد الذكاء الاصطناعي عن التعليم، بل دمجه بذكاء. نريد جيلاً يستخدم هذه الأدوات لدعم تعلمه، لا لاستبدال عقله. الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يكون معلماً رقمياً ومساعداً شخصياً، لكنه لا يستطيع أن يكتسب المعرفة نيابة عن الطالب. النجاح الحقيقي لا يزال مبنياً على الجهد، والفضول، والتفكير النقدي».
آثار إيجابية سلبية
وقال د. هشام حنفي، رئيس قسم الرياضيات كلية التقنية العليا: إن استخدام الطلبة لأدوات الذكاء الاصطناعي وتحديداً «شات جي بي تي»، بات سلاحاً ذا حدين. وتطبيق تلك الأدوات كما أن له آثاراً إيجابية لا يمكن إنكارها، له سلبيات أيضاً قد تهدد جوهر العملية التعليمية ما لم تنظّم بالشكل المطلوب.
وأوضح أن من أبرز الفوائد لتلك الأدوات هي مساعدة الطلاب في التحقق من صحة حلولهم ومراجعة أخطائهم، خصوصاً في غياب المعلم أو أثناء المذاكرة الفردية في المنزل، حيث يمكن للطالب أن يستخدمها كأداة تصحيح ذاتي تُغني أحياناً عن وجود المعلم بشكل مباشر.
خطورة الاعتماد المفرط
لكن في المقابل، حذّر من خطورة الاعتماد المفرط على تلك الأدوات في حل المسائل، خاصة في مواد مثل الرياضيات والفيزياء، مؤكداً أن ذلك يقضي على مهارات التفكير النقدي والتفكير العميق لدى الطلاب. وقال: «عندما يُسلم الطالب زمام تفكيره للآلة، يفقد قدرته على التحليل والاستنتاج، وهنا تتحول التكنولوجيا من أداة مساعدة إلى أداة غش».
تأثيرات مختلفة
ويرى د. محمد صالح، من كلية التقنية العليا أن «الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية ناشئة، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث يسهم بشكل فعّال في تسهيل المهام، وزيادة الكفاءة، وتحقيق إنجازات نوعية في مختلف القطاعات. ونرى تأثيراته في كل مكان، من تطبيقات الملاحة الذكية، إلى أدوات التشخيص الطبي الدقيق، وصولاً إلى تحسين العمليات الصناعية والخدمات الرقمية».
وحذّر من تحول هذا التقدم إلى أن تصبح هذه الأداة سيفاً ذا حدّين. مشيراً إلى أن «الاعتماد المفرط على الأنظمة الذكية قد يؤدي إلى تراجع في المهارات البشرية الأساسية مثل التفكير النقدي، وحل المشكلات، واتخاذ القرار. والاتكال الكلي على الذكاء الاصطناعي قد يجعلنا أكثر هشاشة في مواجهة الأعطال أو القرارات الخاطئة التي قد تنتج عن خوارزميات غير دقيقة أو متحيزة».
كما شدّد على ضرورة التوعية بالمخاطر المصاحبة لهذه التقنية، وعلى رأسها قضايا الخصوصية، والتحيّز البرمجي، والمسؤولية الأخلاقية عن قرارات تتخذها أنظمة غير بشرية.
وأكد أن الحل يكمن في تحقيق توازن واعٍ، وقال: «ينبغي أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه شريكاً داعماً، لا بديلاً للإنسان. فنحن بحاجة إلى أطر تنظيمية قوية، واستثمار في التعليم يعززان التفكير النقدي والمهارات الإنسانية».
كما أكد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية لخدمة البشرية، إذا ما استُخدم بوعي ومسؤولية، ضمن بيئة تضمن التوازن بين التقدم التقني والقيم الإنسانية
تبسيط المفاهيم المعقدة
قال شادي عطا الله، مدير برنامج نُظم المعلومات والحوسبة، بجامعة دبي: «دخول أدوات الذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي» وغيرها إلى الفصول الدراسية يعد تحولاً كبيراً في أساليب التعليم والتعلّم. وهذه الأدوات بات الطلبة يستخدمونها بشكل واسع، خاصة في دولة الإمارات. ولا يمكننا إنكار أن الذكاء الاصطناعي يساعد في تسهيل المفاهيم المعقّدة، وحل المسائل، وكتابة المقالات والشيفرات، وهو ما قد يكون داعماً للعملية التعليمية إذا ما استُخدم بشكل رشيد».
لكنه حذر في الوقت نفسه من الإفراط في الاعتماد على هذه الأدوات، موضحاً أن «استخدامها من دون وعي قد يُضعف من قدرات الطلبة على التفكير النقدي، ويؤثر سلباً في مهاراتهم التحليلية والإبداعية. وعندما ينسخ الطالب الإجابات من دون فهم أو تحليل، فإننا نبتعد عن الهدف الأساسي للتعليم، ونقترب من ثقافة الحفظ والتكرار بدلاً من الفهم والابتكار.
وأشار عطا الله، إلى أن المعلمين في دولة الإمارات بدأوا بالفعل باعتماد استراتيجيات جديدة للتعامل مع هذا التحدي، من بينها التركيز على المشاريع التطبيقية والعروض الصفّية التي تتطلب من الطالب التفكير والتحليل والمشاركة الفعّالة.
دور المعلم في توجيه الاستخدام
يرى معلمون أن المشكلة لا تكمن في وجود أدوات الذكاء الاصطناعي، بل في غياب توجيه تربوي واضح لاستخدامه بشكل متوازن. مشيرين إلى أنهم لا يمكنهم منع الطلبة من استخدام التقنية، لكن يمكن تدريبهم على كيفية الاستفادة منها دون إلغاء دورهم العقلي.
يقول عبدالله المهري، مُعلم رياضيات: «بعض الطلبة لا يحاولون حتى التفكير في خطوات حل مسألة رياضية، بل يُسارعون إلى إدخالها في تطبيق ذكاء اصطناعي ليحصل على الجواب الكامل. هذا يحرمهم من فهم آلية الحل، ويخلق اعتماداً غير صحي على التقنية. والاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على حل الواجبات فقط، بل يمتد إلى طمس جوهر العملية التعليمية». التفكير النقدي والاستقلال الذهني
ويتفق معه في الرأي ماجد الحتاوي، معلم فيزياء، ويقول: «إن المهارات الذهنية مثل التحليل، والاستنتاج، وربط المفاهيم، تبدأ في التراجع عندما يُصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً عن العقل البشري في المهام المعرفية. والطالب الذي لا يمر بعملية المحاولة والخطأ، ولا يواجه صعوبة في فهم مسألة أو فكرة معينة، يفقد القدرة على الصبر الذهني، وهي مهارة أساسية لبناء الشخصية الأكاديمية المستقلة».
0 تعليق