السلام المؤجل: كيف حاول لينكولن إنهاء الحرب الأهلية؟ - الهلال الإخباري

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السلام المؤجل: كيف حاول لينكولن إنهاء الحرب الأهلية؟ - الهلال الإخباري, اليوم السبت 28 يونيو 2025 11:30 مساءً

حين تضع الحروب أوزارها، قد يبدو أن النهاية قد حانت، لكن الواقع أكثر تعقيداً. فالصمت الذي يلي المعارك، قد يكون هدنة مؤقتة، والسلام قد يولد هشّاً ومتردّداً. وهذا ما أدركه أبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية في أيامه الأخيرة، حين رأى أن النصر الحقيقي لا يكتمل إلا بسلام عادل ودائم، يُصاغ في العقول لا في ميادين القتال.
في كتابه الجديد «سلام لينكولن: النضال لإنهاء الحرب الأهلية الأمريكية» الصادر في مارس/آذار 2025 عن دار (Knopf)، في 480 صفحة، يقدم المؤرخ الأمريكي مايكل فورينبرغ قراءة عميقة لنهاية الحرب الأهلية الأمريكية، بوصفها عملية معقدة متعددة الأبعاد، تتقاطع فيها السياسة والعنف والذاكرة الجماعية، وربما لم تنتهِ فعلياً كما تخيل الأمريكيون.
في هذا الكتاب، الذي اختير ضمن أفضل عشرة كتب للقراءة في عام 2025 من قبل «لوس أنجلوس تايمز»، طرح سؤال قد يبدو بسيطاً في ظاهره: متى انتهت الحرب الأهلية الأمريكية؟ لكن فورينبرغ، صاحب البصمة الواضحة في تاريخ الحرب والسياسة الأمريكية، يبيّن أن هذا السؤال يخفي وراءه أسئلة أكبر وأعمق: عن طبيعة الحرب، عن معنى السلام، وعن كيفية تذكرنا للنزاعات الكبرى.
يعيد فورينبرغ القارئ إلى 25 مارس 1865، حين استقل الرئيس أبراهام لينكولن (تولّى الرئاسة من 1861 حتى 1865) السفينة البخارية (ريفر كوين) متجهاً إلى مقر الجنرال يوليسيس غرانت في سيتي بوينت (فرجينيا). كانت الحرب تقترب من نهايتها، ولينكولن لم يرغب بالعودة إلى واشنطن قبل أن يشهد نهايتها بنفسه أو يصنعها إن استطاع. غير أن اغتياله في منتصف إبريل/نيسان حال دون تحقيق هذا الهدف.
تُحدّد القراءة التقليدية يوم 9 إبريل/نيسان 1865، تاريخاً لاستسلام الجنرال روبرت لي للجنرال غرانت في بلدة أبلوماتوكس، كنهاية رسمية للحرب. لكن فورينبرغ يعارض هذا التبسيط، مشيراً إلى أن الصراع استمر، بشكله القانوني والسياسي والعسكري، لأسابيع بل وأشهر بعد ذلك، خاصة في تكساس، حيث أُعلن عن نهاية العبودية في 19 يونيو/حزيران 1865 اليوم المعروف بـ«يوم الحرية»، وفي أغسطس/آب 1866 حين صرّح الرئيس أندرو جونسون رسمياً أن «التمرد قد انتهى».
ما يميز هذا الكتاب هو أن فورينبرغ يربط هذا النقاش بمدى تعقيد مفهوم السلام ذاته. يشير إلى أن السلام عملية طويلة تتضمن اعترافاً جماعياً بالخسائر، واتفاقاً على سردية موحدة، وبناء مؤسسات تضمن عدم العودة إلى السلاح. ومن هذا المنظور، فإن الحرب الأهلية الأمريكية ربما لم تنتهِ بالكامل، أو أنها انتهت جزئياً، ولكن بطرق مختلفة لجماعات مختلفة. ويطرح المؤلف سؤالاً فلسفياً: هل تنتهي الحروب فعلاً؟ أم أنها تتحول إلى نزاعات سياسية وثقافية مزمنة تتوارثها الأجيال؟
لا يخلو الكتاب من إسقاطات ذكية على واقعنا المعاصر، خاصة في ظل ما يسميه فورينبرغ بعصر «الحروب الأبدية» التي تخوضها الولايات المتحدة في أفغانستان، العراق، ومناطق أخرى دون نهايات واضحة أو إعلان نصر. ويرى أن نموذج الحرب الأهلية الأمريكية، بكل تعقيداته، يقدم سابقة تاريخية مفيدة تساعد في تفسير هذا النمط الحديث من النزاعات المفتوحة.
اختار فورينبرغ عنوان كتابه بدقة: «سلام لينكولن»، مشيراً إلى أن الرئيس الذي قاد الأمة الأمريكية خلال أحلك فصولها كان يأمل أن يُنهي الحرب بنفسه. لكن القدر لم يمنحه الوقت، وترِك السلام المطلوب ليُصنع بعده على مراحل، وبأثمان باهظة، وربما، كما يلمح الكتاب، لم يُنجز بالكامل حتى يومنا هذا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق