محمد دياب يكتب: «حادث كفر السنابسة» - الهلال الإخباري

الفجر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
محمد دياب يكتب: «حادث كفر السنابسة» - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 29 يونيو 2025 04:10 مساءً

لم تكن "كفر السنابسة" تعرف أن الجمعة الأخيرة من يونيو ستكون موعدًا مع الوجع.. لا أحد كان مستعدًا لتلك الجنازة الجماعية التي هزّت ضمير الوطن، حين ودّعت القرية 19 زهرة من بناتها خرجن مع الفجر بحثًا عن رزق نظيف، فعدن في نعوش بيضاء، بعد حادث مروع على الطريق الإقليمي.

■ نعوش الفجر.. وبداية الكارثة

مشهد النعوش المصطفّة، والأمهات المفجوعات، والآباء المنكسرين، كان كفيلًا بأن يُخيّم الصمت على الجميع، غير أنّ الصمت في مثل هذه اللحظات لا يُعدّ حكمة، فالمأساة تجاوزت كونها حادثًا عارضًا، وتعكس واقعًا يحتاج إلى مراجعة شاملة لمنظومة السلامة على الطرق.

■ طريق الموت.. وشبح الغياب الرقابي

سائق شاحنة يسير في الاتجاه المعاكس، وطريق يُعرف بين الأهالي بـ "طريق الموت"، وسط غياب واضح لعناصر الرقابة والرقابة المرورية في الوقت الذي كانت فيه عشرات الأسر تنتظر كلمة عزاء أو حضورًا رسميًا يواسيها، غاب المسؤولون عن المشهد، فلم تصدر بيانات توضيحية، ولم تُقدَّم تفسيرات للرأي العام بشأن ملابسات الحادث، ولا ظهرت مؤشرات للمحاسبة أو التحرك العاجل. واقتصر الأمر على بيانات تعزية رسمية، لم تخفف من حجم الألم، ولم تروِ ظمأ العدالة.

■ شهادة حبيبة.. الصوت الوحيد الذي نجا

ومن بين كل من كانوا على متن الميكروباص، لم ينجُ سوى فتاة واحدة: "حبيبة"، التي قالت بصوت مكسور:
"كنا 22 بنت جوه الميكروباص، قاعدين فوق بعض، مش لاقيين مكان نتحرك فيه، رايحين نشتغل عشان 130 جنيه"
130 جنيهًا فقط هي اليومية التي خرجت من أجلها هؤلاء الفتيات في الخامسة فجرًا، بحثًا عن لقمة كريمة. رقم لا يكفي ثمن وجبة في مطعم بالعاصمة لكنه بكل قسوه كان ثمنًا لحياتهم.

■ أين الحماية؟ وأين البرلمان؟

ثم أين الحد الأدنى للأجور الذي أقرّته الدولة بـ7 آلاف جنيه للعاملين؟ وأين مظلة الحماية الاجتماعية التي تضمن للعمالة غير المنتظمة عملًا كريمًا وأجرًا عادلًا وبيئة آمنة؟
أين الرقابة على وسائل النقل التي تقلهن فجرًا وتعيدهن ليلًا أو... لا تعيدهن أبدًا؟

أن يولد الإنسان فقيرًا فذاك أمر لا يُحاسب عليه، أما أن يُدفن تحت أنقاض الإهمال، فذلك يستوجب محاسبة من استهان بحياته.

نعم، أنجزت الدولة كثيرًا في مشروعات الطرق، غير أن الطريق لا يكون إنجازًا حقيقيًا ما لم يصن حياة السائرين عليه، ويُحكم برقابة لا تغفو، وأمان لا يخون.
فجوهر الأزمة لا يتعلق بعملية البناء ذاتها، بل يكمن في سوء الاستخدام، وغياب الرقابة، وغياب أدوات الردع، وصمت المؤسسات الرقابية والتشريعية، ما يفتح الباب لتكرار المآسي دون محاسبة أو تغيير. فكيف لطريق كلّف الدولة أكثر من مليار جنيه أن يكون بغير رقابة؟!

ألم لا يحتمل التأجيل 

نحن لسنا في فيلم من إنتاج يوسف شاهين، ولسنا نكتب سطورًا من روايات يوسف إدريس، نحن أمام واقع من دم ولحم وألم لا يحتمل التأجيل، ولا ينتظر بيان لجنة تقصِّي.

دماء على الأسفلت 

كفر السنابسة دفنت بناتها، لكن الوطن كله مدعو أن يفيق، لأن الموت القادم قد يأتي من ذات الطريق.. وربما تكون الضحية التالية من بيتك.
فهل نبكي على ما حدث، أم ننتفض قبل أن تبكي علينا قرية جديدة؟
الدماء على الأسفلت تنادينا.. فهل يستيقظ الضمير؟

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق