نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانشغال بالوطن - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 11 فبراير 2025 01:29 مساءً
كثيرون من ينشغلون بأنفسهم انشغالا يصرفهم عن كل شيء عداها، هؤلاء هم الأنانيون الذين يحبون أنفسهم حبا مفرطا ولا يفكرن في غيرها، أي المعجبون بذواتهم، وأما من يبذلون أنفسهم في سبيل الآخرين فهم قلة، وأقل منهم من يضحون بأنفسهم م أجل الوطن، ويفتدونه بها، الوطن الذي يتنسمون هواءه ويأكلون طعامه ويشربون مياهه ويسيرون في شوارعه، الوطن الذي يعني شيئا أكبر من أشجار وأحجار ومساجد وكنائس وأهل وأصدقاء وبيوت ومعالم وعلامات.... يعني الحضن الذي يأوي إليه ذلك كله، ومن الرحابة والجمال أن يكون المواطن حضنا لوطنه الذي هو حاضنه أصلا!
الانشغال الحقيقي بشيء يشير، أول ما يشير، إلى محبته، والمحبة ليست كلاما، في ما يعرف المحبون الصادقون، إنما هي ذوبان كامل في المحبوب، وتسليم القلوب إليه وموافاته دوما في الميعاد...
يرى المحب محبوبه الدنيا وما فيها، لا يراه هكذا مغنيا ولا شاعرا فقط، لكن يراه الدنيا، وأكبر منها، كإنسان في الأول والآخر؛ فالإنسانية قبل الموهبة، وهي العنوان الصحيح للبشر قبل أن يكون عنوانهم الأغاني أو القصائد!
قد يشعر عديدون الناس، في ظروفهم المعقدة، أن الوطن لم يعد يواليهم، وقد يشعرون، في ظروفهم بالغة التعقيد، أن الوطن جافاهم ونسيهم فعلا، وأنهم صاروا بلا وطن، وإن بدا علمه مرفرفا في سمائهم وبدا نباته راسخا في أرضهم، وفي الحقيقة هذا شعور سلبي ينبغي أن يتخلص الناس الذي يشعرون به منه فوريا، بل ينبغي أن ينتبه هؤلاء إلى أن الأنانية هي التي دفعت إلى مثله دفعا؛ فلو كانوا من أهل الإيثار لا الأثرة ومن ذوي الود الصافي لا الكراهية لما هان عليهم الوطن فتصوروه كما تصوروه، أي ظنوا شره وقطعوا فيه الرجاء، فالوطن، أيا كان، يمر بالظروف التي يمر بها مواطنوه أنفسهم، يجد عراقيل في طريقه، ويعاني من أزمات شتى، ويضيق ذرعا بالوجود كما يضيقون، ولكن الفارق الواضح أنه لا يتهمهم حينئذ بالبخل عليه ولا التخلي عنه، بل يظل هو المحاول خروجا من معاناته لأجلهم...
مصر وطن عظيم بكل معنى الكلمة، لا ينتظر شهادتي ولا شهادة غيري، إنما
قد تكون الشهادة له بالعظمة من ابنه البسيط المميز الذي يقاسي ويلات الحياة، وأنا هذا الابن، بألف ألف شهادة من آخرين إلا أنداده ونظراءه!
إنني لا أتخيل العيش بعيدا عن مصر، لا أتخيله ولو لأيام قليلات، وربما أدنى، ويقال لي إن الناس يغتربون ليحسنوا أحوالهم؛ فاغترب، يا صديقنا، وحسن حالك؛ فأقول لا بأس بالاغتراب لتحسين الأحوال، ولكنني أريد أن ألمس تحسنا لحالي في وطني نفسه، ومصر قادرة على أن تحقق آمال اولادها جميعا، قادرة وستفعل، والشرط، أولا، أن يكون الأولاد منشغلين بها على الدوام كانشغالهم بغيرها مما يحبذون للأسف!
أخبار متعلقة :