نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إلى الزول مجتبى.. دمعة على عمار بيوت الله الراحلين - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 29 يونيو 2025 02:58 مساءً
لم أكن أتصور يومًا أن رحيل الأشقاء السودانيين عن مصر سيترك في نفسي هذا الأثر العميق، لكنه حدث.
وها أنا أكتب، وقلبي مثقل بالحزن، منذ أن أخبرني صديقي «مجتبى» – الزول السوداني الطيب – بأنه سيعود إلى بلده بعد تحسن الأوضاع هناك.
كلمات بسيطة قالها بابتسامته المعتادة، لكنها اخترقت قلبي كأنها نعي هادئ لصداقة لم أعلم كم تعني لي حتى لحظة الفراق.
عندما اندلعت الحرب في السودان، وبدأت قوافل النازحين تتدفق إلى مصر، لم أكن أستطيع إخفاء مشاعر القلق والخوف التي تملكتني، وربما قسوت – داخليًا – في حكمي الأول عليهم.
مشهد النزوح الجماعي، والتغلغل السريع في تفاصيل الحياة اليومية، جعلني أتوجس من القادم، وأتساءل: هل نحن على أعتاب أزمة اجتماعية جديدة؟ هل سيتغير وجه الحارات والميادين إلى الأبد؟ كان ذلك في البداية فقط.
ثم جاء «مجتبى».
جاء مجتبى، وجاء معه «مبارك» و«هاشم» و«كمال»، إلخ..... وجاء معهم الدفء، تعرفت عليهم دون ترتيب أو نية مسبقة، لكنهم دخلوا حياتي كما يدخل الضوء من نافذة مفتوحة.
بسطاء، بشوشون، طيبو الطباع، لا يُحسنون سوى الصدق، ولا يعرفون من الدنيا إلا ما يرضي الله.
لا يمر يوم دون أن تراهم في الصف الأول في المسجد، لا يتأخرون عن صلاة، ولا عن إعمار بيت من بيوت الله، كأنهم وجدوا في بيوت الرحمن وطنًا بديلًا عن وطنهم الذي احترق.
ما زلت أذكر كيف كان «مجتبى» يسبقني في السلام بعد كل صلاة، ولديه اشتياق إلى لقائي ولقاء أهل المسجد كل مرة كأنه أول مرة يرانا بلا كلل أو ملل، وكيف كان يبتسم لوجهي دائمًا كأنه يراه للمرة الأولى.
لم أسمع منه كلمة تؤذي، ولم أره يومًا إلا مهندم الثياب، حسن السمت، متواضعًا حد النخاع.
كان وأهله، وأصدقاؤه، كأنهم جاؤوا من طينة أخرى... نقية، بيضاء، خفيفة على القلب.
واليوم... رحلوا.
تحسنت الأوضاع في بلدهم، فعادوا، وعاد الخوف إلى قلبي، ليس من القادم، بل من الفراغ الذي تركوه خلفهم.
سنفتقدهم في المسجد، سنفقد طيبتهم، دعواتهم الخفية، ابتسامتهم الصادقة، كأن شيئًا جميلًا غادرنا فجأة دون وداع كافٍ.
إلى الزول «مجتبى»... شكرًا لأنك غيّرتني، لأنك أثبت لي أن الإنسان الطيب لا يعرف وطنًا إلا الطيبة، ولا يحمل هوية إلا الإيمان.
سلام عليك وعلى إخوتك، حيثما حللتم، وسلام على السودان إن عاد يحتضنكم كما كنتم تحضنون هذا البلد بأخلاقكم.
نفتقدكم.
أخبار متعلقة :