الصين والولايات المتحدة بين سياسة عض الأصابع وسياسة كسر العظم - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصين والولايات المتحدة بين سياسة عض الأصابع وسياسة كسر العظم - الهلال الإخباري, اليوم الاثنين 28 أبريل 2025 12:19 صباحاً

في خضم التوترات المتصاعدة بين عملاقي الاقتصاد العالمي، تشهد العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة تدهورا غير مسبوق. فقد وصلت التعريفات الجمركية الأمريكية على معظم الواردات الصينية إلى مستوى قياسي بلغ 145%، بينما ردت الصين برفع رسومها على الواردات الأمريكية إلى 125%. هذا التصعيد المتبادل يثير تساؤلا ملحا: من هو الخاسر الأكبر في هذه المعركة التجارية المحتدمة؟ وهل نحن أمام مجرد مناورات تكتيكية أم أننا نشهد تحولا استراتيجيا في النظام الاقتصادي العالمي؟

تمثل «سياسة عض الأصابع» استراتيجية قديمة في المفاوضات الدولية، حيث يمارس كل طرف ضغوطا متزايدة على الآخر، على أمل أن يستسلم الخصم قبل أن تصبح الآلام غير محتملة للطرفين، وهذا بالضبط ما بدأته إدارة ترامب في ولايته الأولى، واستأنفته بقوة أكبر في ولايته الحالية. لكن ما يحدث اليوم تجاوز مرحلة «عض الأصابع» إلى ما يمكن وصفه بـ»سياسة كسر العظم»، حيث لم يعد الهدف مجرد الضغط للحصول على تنازلات، بل أصبح إلحاق ضرر هيكلي بالاقتصاد المنافس.

تعتمد الولايات المتحدة على قوتها كأكبر سوق استهلاكي في العالم، وعلى هيمنة الدولار كعملة احتياط عالمية، لفرض شروطها. بينما تستند الصين إلى قدرتها التصنيعية الهائلة، وسيطرتها على سلاسل التوريد العالمية، وسوقها الداخلي المتنامي. وبين هاتين القوتين، يبدو أن العالم مقبل على مرحلة من المواجهة الاقتصادية المفتوحة، قد تكون تكلفتها باهظة على الجميع.

تشير التطورات الأخيرة إلى تصاعد غير مسبوق في حرب التعريفات، فبعد أن فرضت إدارة ترامب رسوما جمركية إضافية على الواردات الصينية وصلت إلى 145%، ردت بكين بفرض رسوم مماثلة بلغت 125% على المنتجات الأمريكية، هذا التصعيد المتبادل يهدد بتقويض النظام التجاري العالمي الذي استغرق عقودا لبنائه.

وبينما تتضارب التصريحات حول المفاوضات الجارية، حيث يؤكد الرئيس الأمريكي وجود محادثات لخفض التعريفات، تنفي الصين وجود أي مفاوضات نشطة، مشددة على أنها لن تتفاوض تحت الضغط. هذا التناقض في الروايات يعكس عمق الأزمة وصعوبة التوصل إلى حل قريب.

أما المستهلكون في كلا البلدين فهم يدفعون الثمن بالفعل، ففي الولايات المتحدة تشير التقديرات إلى أن التعريفات الجمركية ستكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة نحو 1300 دولار إضافية في عام 2025، وفي الصين، تتأثر الصناعات التصديرية بشكل كبير، مما يهدد ملايين الوظائف.

في خضم هذه المواجهة، تبرز مطالبة الصين المتكررة بضرورة إظهار الولايات المتحدة «الاحترام» كشرط مسبق لأي مفاوضات جادة. هذا المطلب ليس مجرد خطاب دبلوماسي فارغ، بل يعكس إحساسا عميقا بالإهانة لدى القيادة الصينية من أسلوب التعامل الأمريكي.

تشعر بكين بأن واشنطن تتعامل معها من منطلق الفوقية والاستعلاء، وليس كند مساوٍ في النظام الدولي. فالصين، التي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر شريك تجاري لمعظم دول العالم، ترى أن الولايات المتحدة لا تزال تعاملها كدولة نامية يمكن إملاء الشروط عليها.

كما أن القضايا الحساسة مثل تايوان والعقوبات الأمريكية على الشركات الصينية تمثل نقاط احتكاك رئيسية. فالصين تعتبر الدعم الأمريكي لتايوان تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية، بينما ترى في العقوبات محاولة لكبح تطورها التكنولوجي. لذلك تصر بكين على أن أي حوار يجب أن يبدأ باعتراف واشنطن بمخاوفها ومصالحها المشروعة، وتقديم الاعتذار عن ما تعتبره الصين تجاوزات وإهانات متكررة.

في تطور لافت، وجدت الصين سلاحا جديدا في المواجهة التجارية مع الولايات المتحدة: منصة تيك توك، فقد بدأ المصنعون الصينيون في نشر مقاطع فيديو تكشف الفجوة الهائلة بين تكلفة تصنيع المنتجات الفاخرة في الصين وأسعار بيعها النهائية في الأسواق العالمية.

هذه الحملة، التي انتشرت بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر كيف أن حقيبة يد فاخرة تباع بعشرات الآلاف من الدولارات قد لا تكلف سوى مئات قليلة في التصنيع. وكيف أن ملابس رياضية من ماركات شهيرة تباع بأضعاف تكلفتها الحقيقية. هذه المقاطع لا تهدف فقط إلى فضح الماركات العالمية، بل تسعى أيضا إلى تقويض ثقة المستهلكين الأمريكيين في هذه العلامات التجارية، وتشجيعهم على الشراء مباشرة من المصنعين الصينيين بأسعار أقل بكثير.

هذه الاستراتيجية تمثل تحولا ذكيا في المواجهة، حيث تستهدف الصين المستهلك الأمريكي مباشرة، متجاوزة الحواجز الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية. وهي تعكس أيضا فهما عميقا لنقاط الضعف في النموذج الاقتصادي الغربي، الذي يعتمد على هوامش ربح عالية للغاية في قطاع السلع الفاخرة.

في ظل هذه المواجهة المتصاعدة، يبرز السؤال الأهم: من هو الخاسر الأكبر؟ الإجابة ليست بسيطة كما قد يبدو للوهلة الأولى.

على المدى القصير، يبدو أن المستهلكين في كلا البلدين هم الخاسر الأكبر. فالأمريكيون يدفعون أسعارا أعلى مقابل السلع المستوردة، بينما يفقد العمال الصينيون وظائفهم مع تراجع الصادرات. أما الشركات متعددة الجنسيات، فتجد نفسها محاصرة بين مطرقة التعريفات الجمركية وسندان تعطل سلاسل التوريد.

من ناحية ثانية، تواجه الصين تحديات كبيرة في إعادة توجيه اقتصادها نحو الاستهلاك المحلي، وتطوير قدراتها التكنولوجية المستقلة، وهي عملية معقدة ومكلفة، قد تستغرق سنوات طويلة.

في ختام هذا المشهد المعقد، يبدو أن العالم يقف على مفترق طرق، فإما أن تتوصل القوتان العظميان إلى تفاهمات جديدة تحفظ مصالحهما المشتركة، أو أن نشهد انقساما متزايدا في النظام الاقتصادي العالمي، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على الاستقرار والازدهار العالميين.

حسب ما يرى الخبراء فالحل يكمن في إدراك كلا الطرفين أن «سياسة كسر العظم» لن تفضي إلا إلى خسائر متبادلة. فالولايات المتحدة بحاجة إلى التخلي عن نهج الاستعلاء والتعامل مع الصين كشريك متساوٍ، بينما يتعين على الصين تقديم تنازلات حقيقية في قضايا مثل حماية الملكية الفكرية ودعم الشركات المملوكة للدولة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق