فساد بيئات العمل وتغذيتها للإجرام! - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فساد بيئات العمل وتغذيتها للإجرام! - الهلال الإخباري, اليوم الاثنين 7 يوليو 2025 06:01 صباحاً


أصبحت بيئات العمل تواجه اليوم تحديا حقيقيا، بل معضلة تحول دون تحقيق العدالة، وتعمل على صناعة الكراهية وتغذية الإجرام، من خلال الصلاحيات الممنوحة للشركات باستحداث أقسام تحقيق مع موظفيها بذريعة نزاهة الأعمال، حيث دأب كبار المديرين من المتنفذين على تكييف القوانين داخل الشركات، وربما بعض الكيانات الحكومية، بما يسمح لهم بتخطي الأنظمة المعمول بها وتضليل الجهات الرسمية، وبما يخدم مصالحهم الضيقة، حتى تسبب ذلك في الوصول ببيئات العمل إلى درجات متدنية من تلاشي العدالة وانعدام القيم الإنسانية.

إن منح الشركات الكبرى في القطاع الخاص وأي جهة كانت غير رقابية، الضوء الأخضر لاستحداث أقسام للتحقيق مع الموظفين، دون الإشراف عليها بشكل مباشر أو مراقبتها، أوجد مساحة كبيرة للمتنفذين من كبار الموظفين للعمل على تزييف الحقائق، وابتداع الوقائع، وبيع الذمم لبخس الناس حقوقها ظلما وبهتانا، ولعل أكبر دليل على ذلك التسرب الوظيفي الذي أنتجته هذه الممارسات في عدد من الشركات، وحالات الفصل التعسفي الذي يخرج بصورة نظامية، بفضل تلك الأقسام وتكييفها للأنظمة، ما جعل موظفين كثرا لا يستطيعون مواجهة هذا الطوفان الجديد من الفساد.

فقد أصبح من السهل على مديري ورؤساء أقسام من أصحاب النفوذ والمصالح المشتركة داخل الشركات وخارجها، التضييق على من يستهدفونه من موظفين، واستخدام أبشع ما يمكن وصفه من الممارسات، التي تبدو في ظاهرها نظامية، لكن جوهرها مخالف ولا إنساني.

إن أقسام التحقيق في الشركات، التي من المفترض أن تسلط على رؤوس العابثين، لا تعدو كونها اليوم مظلة أنيقة لتمرير الأهواء، وتصفية الحسابات، وتكييف العدالة بما يخدم مصالح أصحاب النفوذ، فهي لا تبصر إلا بعين واحدة تلك التي تحدق في الموظف البسيط، إما لتوريطه وفصله تعسفيا أو لإلصاق التهم به، وهنا يكفي القول إن مديرين في شركة ما، يملكون مفاتيح عدد من الإدارات، يمكنهم التنسيق فيما بينهم لتوريط موظف بعينه، وتطبيق العقوبات عليه داخل الشركة، والتأثير على سمعته المهنية بعد الخروج منها.

هذه الممارسات من شأنها زرع الكراهية وتغذية الإجرام داخل بيئات العمل وربما خارجها في المجتمع، فالمجرمون والقتلة لم يولدوا على ما آلت له أحوالهم، أي أنهم لم يخلقوا مجرمين، بل اجتذبت شخصياتهم صفات من واقع الحال المعاش لديهم، والمجرمون أنواع وأصناف، لكن أكثرهم خطرا، ذلك النوع الذي يتلذذ بآلام الآخرين، وهم القتلة الصامتون، أولئك المديرون المتنفذون مثل مديرين تربطهم مصالح داخل شركة معينة وخارجها مع نظراء لهم، ممن يعتمدون أسلوبا مختلفا وبعيدا عن الدم، مثل قتل الطموحات والدوافع النبيلة في أنفس الشباب للظفر بحياة كريمة في المجتمع.

إن مستغلي النفوذ للإضرار بفرد ما، هم من هذا النوع، إذ إنهم لا يقلون خسة عن المجرمين القتلة، فهم في نهاية الأمر كمن يمثل بجثة إنسان ويرفع لواء الفخر بذلك، وهم المستفيدون من عامل غياب العدالة وعدم تحقيقها داخل شركاتهم، لمن وقع عليه الظلم أيا كان شكله وصورته، مما يجعل هناك انعكاسات لها ارتباط كبير في مما يعرف بـ»الاغتيال المعنوي»، حيث يجهض الفاسدون أي أفكار يحملها الطامحون من شباب الوطن، من خلال قطع الطريق أمامهم، وتخريب مبتكراتهم ومشاريعهم وتشويه سمعته وما شابه ذلك.

وهنا، يجب الاعتراف بأن هذا الصنف من البشر آخذ في الانتشار، بناء على تحول العالم بمجملة إلى دوائر تقوم على القوة والنفوذ وليس العدالة، خصوصا في قطاع المال والأعمال، وأكبر دليل على ذلك هو تطور الأنظمة والقوانين بشكل عكسي، إذ أصبح تكييفها بيد المتنفذين وأصحاب المصالح المشتركة ضد الطرف الأضعف، فالعدالة مفهوم واسع لا يوجد له أثر في قواميس دوائر النفوذ والعلاقات النفعية والمصالح الشخصية، وأي موظف يجد نفسه في مواجهة مع ذلك يهرب بلا شك إلى وظيفة أخرى، تاركا وراءه مفسدين سيمارسون بلا شك الأسلوب نفسه مع موظفين آخرين.

إن عدم تحقيق العدالة يؤدي دون أدنى شك إلى إنتاج حالة من عدم الرضى عن القوانين والأنظمة، فأي شخص تعرض للظلم ولم يتمكن من الحصول على أقل درجات العدالة أو الإنصاف، سيتكون في داخله شيء من الكراهية ضد القانون، وهذا ما يكمن تسميته «تغذية العنف»، فالتحايل على الأنظمة، واستغلال النفوذ المؤدي إلى غياب العدالة أو التلاعب بها، يلعبان دورا كبيرا في عزل الإنسان وتدميره دون الوصول إلى تحقيق طموحاته الوظيفية، وربما المعيشية.

إن مفهوم الزمالة في بيئات العمل ليس ببعيد عن مفهوم المواطنة في المجتمع، إذ لا بد أن يكون محفوفا بمتطلبات على رأسها التعايش السلمي، الذي يقوم على تسيد القانون والأنظمة المؤدية للعدالة الإنسانية الخالصة، فبيئات العمل هي جزء من المجتمع، لذا ينبغي اجتثاث أصحاب النفوذ ممن يستغلون الأنظمة ويسيئون استخدام السلطة لأغراض مصالحهم الشخصية، ومعاملتهم كالمجرمين ومحاسبتهم، حتى لا يتعزز الفساد وتستمر تغذية الإجرام وكسر عزائم الشباب، وتخريب بيئات العمل، ونشر العدائية في المجتمع.

كما أن الموظفين مطالبون اليوم بالوقوف في وجه أي فاسد متنفذ مهما كان منصبه الإداري، وأن يتسلحوا بمعرفة الأنظمة والقوانين، وألا يتنازلوا بسلك الطريق الأسهل عبر البحث عن فرص وظيفية أخرى، بل لا بد أن يدرك أنه يحمل على عاتقه مسؤولية وطنية في الإبلاغ عن مثل تلك الممارسات ومواجهتها، والتوجه للإبلاغ عنها لدى الجهات الرقابية الرسمية في الدولة، فيما ينبغي على تلك الجهات الرقابية مثل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد «نزاهة»، أن تفتش اليوم في أوراق شركات القطاع الخاص، خصوصا الكبيرة منها، فقد أصبح بعضها مرتعا للفاسدين، وحان الوقت لمحاسبتهم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق