حين يرحل القائد... - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين يرحل القائد... - الهلال الإخباري, اليوم الخميس 10 يوليو 2025 08:46 صباحاً

في المؤسسات، يمر علينا الكثير من المديرين...
بعضهم ينجز، وبعضهم يقرر، لكن قلة نادرة فقط تترك أثرا في الأرواح قبل الأوراق، وتخلد حضورها في الذاكرة لا في سجل المهام.

وعندما يُذكر المديرون، تتباين الصور في الأذهان. لكن قلة نادرة فقط من يُجبرك على احترامه، من يعلّمك دون أن يُلقّن، من يقود دون أن يأمر، ومن يترك خلفه أثرا لا يُمحى. وهذا تماما ما كان عليه هذا المدير

لم يكن مجرد مدير، بل كان قائدا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو لم يكن مجرد مدير بالوصف الوظيفي، بل كان قائدا بمعنى الكلمة... قائدا بالفطرة، بالنهج، بالحضور.

منذ أن وطئت قدماه هذا الفريق، كان مختلفا. لم يبدأ بالأوامر، بل بدأ بالسؤال.
كان يسألنا دائما: "ما رأيكم؟"
كان يردد: "اسألوا ما لا تفهمونه".

عبارات قد تبدو عابرة... لكنها بالنسبة لي كانت بوابة للشعور بالأمان، بالثقة، وبأني لست وحدي في هذا الميدان وحين يقولها، لم يكن يطلب جوابا، بل يفتح أبوابا...

أبوابا للفهم، للحوار، للتفكير الحر.

وفي أحد الأيام، وجه إلي سؤالا لن أنساه:
"اذكري لي ثلاثة أمور ترغبين أن أوفرها لك، وثلاثة أمور تتمنين أن أبعدها عنك".

سؤال عميق في بساطته، لكنه حمل رسالة عظيمة:
أنا هنا لأهيّئ لك بيئة تنتمين إليها... لا مجرد مساحة تُنجزين فيها.
فرحت بوجوده، لا لأنه جاء ليدير العمل، بل لأنه جاء ليقود الفكر.
شعرت حينها أن أفكاري المبعثرة وجدت أخيرا من يمسك بخيوطها،
من يرتبها، من يمنحها اتجاها، من ينير زواياها.

لم يكن قائدا يكتفي بالرؤية من بعيد...
كان حاضرا، منصتا، محفزا،
وكان حضوره وحده كفيلا بأن يبدد التشتت ويبعث فينا الطمأنينة.

كان حضوره بمثابة عقل ينير الزوايا التي لم أكن أعرف حتى أنها مظلمة.
كان يعرف كيف يضيء الطريق دون أن يخطف الضوء لنفسه. يرشد لا يسيطر. يشركنا في القرار، يرفعنا حين نخطئ، ويقف معنا حين تعصف التحديات.

القائد الحقيقي لا يُقاس بعدد الاجتماعات ولا بساعات العمل، بل بكم الشغف الذي يزرعه في من حوله. وهذا ما فعله. جعلنا نؤمن بالمستحيل، نعمل بروح الفريق لا مجرد أفراد، ونقف شامخين حتى عندما تثقلنا الأعباء.

يرحل القائد اليوم...
لكن صوته سيبقى في ذاكرتنا:
"ما رأيكم؟" – "اسألوا ما لا تفهمونه..."
وسيبقى أثره حيا في كل قرار نتخذه،
وفي كل فكرة نعيد ترتيبها،
وفي كل لحظة نحتاج فيها لمن يقول "أنا هنا لأفهم، لا لأحكم".

قد يرحل جسدا لكنه سيظل حاضرا في طريقة تفكيرنا، في طريقتنا في التعامل، وفي إيماننا أن القيادة تبدأ بالإنسان قبل المنصب
شكرا لك، لأنك لم تكن يوما مديرا فقط...
كنت قائدا للقلوب والعقول.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق