نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هاتف المتوفى.. تركة ثقيلة في رقبة الورثة - الهلال الإخباري, اليوم الاثنين 9 يونيو 2025 12:15 صباحاً
احترام الخصوصية واجب حتمي وفرض شرعي، أما الفضول في الاطلاع على خفايا حياة الناس، فمخالفة كبيرة لبنود الشارع الحكيم، ومفردات الأخلاقيات بشكل عام، وهنا يتبادر إلى الأذهان عدة أسئلة حول هاتف المتوفى، وهل يجوز فتحه بعد الوفاة، رغم ما يمكن أن يحويه من أرقام وصور خاصة، وربما معلومات سرية ومحادثات خفية وذكريات شخصية.
تساؤلات كثيرة حول الضوابط القانونية التي تحكم فتح الورثة هاتف المتوفى، للوقوف على أرقام بنكية لحساباته، مثلاً، أو للاطلاع على مديونياته لسدادها، وما المفترض عليهم مراعاته، لكن السؤال الأبرز والذي يشغل الكثيرين، ما هو التصرف الصحيح للزوجة إذا اكتشفت في هاتف زوجها المتوفى ما قد لا يروق لها، لكن كل هذا يؤكد أن هاتف المتوفى يحتوي على ذكريات تحتاج الى الدفن.
أكد المستشار القانوني د. يوسف الشريف، أن هاتف المتوفى وسائر متعلقاته الشخصية، من الأموال العينية التي تدخل في تكوين التركة بمجرد الوفاة، فتنتقل ملكيتها حكماً إلى الورثة الشرعيين، وبذلك تنقضي الصفة الشخصية المطلقة لهذه المتعلقات وتتحول إلى مال مشاع.
وقال إن هذا التحول لا يعني زوال جميع القيود الشرعية والقانونية والأخلاقية التي كانت تحكم هذه المتعلقات في حياة المتوفى، بل تظل هناك ضوابط دقيقة ينبغي مراعاتها، وعليه، يجوز للورثة أو لمن يفوضونه لهذا الغرض، فتح هاتف المتوفى وفحصه، تحقيقاً لمقاصد معتبرة، إذ قد يحتوي الهاتف أو متعلقاته على أدلة تثبت مديونيات للغير.
وشدد على أن يقتصر فتح الهاتف على ما يخدم المقاصد المشروعة فقط، ولا يجوز بحال نشر أو تداول أي محتوى من شأنه المساس بسمعة المتوفى أو الآخرين، مثل الصور والسلوكيات الخاصة أو المحادثات الشخصية، كما لا يجوز استخدام ما يُستخرج من هذه المتعلقات في الإضرار بالغير أو الابتزاز أو التشهير، ومخالفة هذه الضوابط قد تعرض مرتكبها للمساءلة القانونية، سواء على الصعيد الجزائي، وفق قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية، وحماية الخصوصية، أو المدني كدعاوى التعويض عن الضرر المعنوي أو المادي.
المسؤولية والستر
أضاف د. الشريف، أنه في بعض الحالات قد يُفضي فتح هاتف المتوفى والاطلاع على متعلقاته، إلى اكتشاف معلومات لم يكن الورثة الأصليون على علم بها، كوجود زوجة أخرى بعقد صحيح، أو أبناء لم يُدرجوا ضمن الورثة المعروفين، وفي هذه الحالة، يُصبح لِما يُكتشف أثرٌ بالغ الأهمية في تحديد الورثة الشرعيين، وكيفية قسمة التركة، إذ إن الإرث حق شرعي وقانوني لا يجوز حجبه عن مستحقيه.
وهنا يجب التوقف عن أي تصرف فردي في التركة، والقيام بالتحقق من صحة المستندات أو البيانات التي تم اكتشافها عبر الجهات الرسمية وإبلاغ المحكمة المختصة بطلب قيد الورثة الجدد ضمن ملف التركة، وإعادة ضبط عملية توزيعها، ولا يجوز بحال إخفاء الورثة الجدد أو التحايل على حقوقهم، وإلا يعد ذلك جريمة جزائية، فضلاً عن المسؤولية المدنية والتعويضية.
وختم د. الشريف، بالتأكيد على أن فتح هاتف المتوفى، والاطلاع على متعلقاته، يجب أن يتم بمنهج شفاف ومسؤول، وتُحال أي معلومة جوهرية يتم كشفها إلى القضاء المختص، ليُفصل فيها وفق أحكام الشريعة والقانون، وينبغي التعامل مع متعلقات المتوفى بروح المسؤولية والستر، وأن تُراعى فيه أحكام الشريعة السمحة، وقيم المجتمع، وضوابط القانون.
الضرورة بقدرها
من الجانب الشرعي فند د. سالم الدوبي، مدير إدارة الوعظ والإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية بالشارقة، جواز فتح هاتف المتوفى من واقع ما نص عليه الشارع الحكيم، وقال إن الدين الإسلامي وضع حداً لكل أمر في هذه الدنيا، ومن بين القواعد ما يضمن حرمة الميت وعدم التعدي أو الإساءة إليه، بل إن العناية بحقه لا تقل اهتماماً عن الأحياء.
وأضاف أنه بناء على ذلك لا يجوز التعدي على المتوفى، بفتح هاتفه والنظر فيه، ويزداد الأمر قبحاً وسوءاً وإثماً، إذا قصد من ذلك التعدي على أمواله والاختلاس منها، وأما إذا احتيج إلى فتح هاتفه لمعرفة الحقوق التي له أو عليه أو لغرض شرعي صحيح، فالقاعدة الشرعية في ذلك هي أن الضرورة تقدر بقدرها، وحتى لا يساء الظن بمن فتح هاتف المتوفى، لا بد أن يكون ذلك تحت إشراف الجهات المختصة، وألا يتجاوز النظر في الهاتف قدر الحاجة.
وأضاف أنه إذا قُدر للزوجة أو أحد أقارب الميت الاطلاع على شيء مما يُكره، فالأصل أن يُحسن الظن به، فلربما كان خطأ أخطأه وتاب منه وبقي في هاتفه أو نسي حذفه، فالستر عليه مطلوب شرعاً، وإذا كان المغسل الذي يغسل الميت اطلع على شيء يكرهه الميت، فيستره عليه، ويثاب على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من غسّل ميتاً فكتم عليه غُفر له أربعين مرة)، لذا فالزوجة أولى بالستر عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).
حرمته كحرمة الحي
شدد الباحث الشرعي د. السيد البشبيشي، على أن الموقف الشرعي من التفتيش في هاتف الميت والاطلاع على أسراره، له حرمة كحرمة الحي، بل ربما تزيد أحياناً، لأنه لا يملك الدفاع عن نفسه، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حياً) فكيف بكسر قلبه وكشف أسراره وفضح سمعته وعرضه.
وقال إن بعض الأحياء من الأهل أو الأولاد أو الأقارب والأرحام يقعون في خطأ كبير ومخالفة عظيمة حين يسمحون لأنفسهم بالتفتيش في هاتف الميت، بحثاً عن أسراره، وهذا من الخطورة بمكان إذ إنه نوع من التجسس الذي نهى الله عنه في كتابه بقوله جل وعلا: «ولا تجسسوا»، ونهى عنه نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً).
ونوه بأنه يأثم المفتش في الهاتف إذا تعمد البحث عن مساوئ الميت، وكشف أسراره كما الحي وزيادة، أما إن كان التفتيش في الهاتف من باب معرفة الحقوق ونحوها، وما له وما عليه، فلا شيء في ذلك، خاصة ومعظم أحوال الناس اليوم وحقوقهم على الغير، وحقوق الغير عليهم، مدونة على هواتفهم.
وأكد د. البشبيشي، على أنه إذا وجد أحد إساءة تخصه هو، فيعفو عن الميت ويدعو له بخير، لأنه ليس حياً ليدافع عن نفسه أو يبين مبرره أو يحاول إصلاح ما أفسد، كذلك إذا كان في هاتفه ما يدعو إلى الوصية بالإثم أو قطيعة الرحم، مثل حرمان أحد من الميراث أو أكل مال أحد أو ظلم أحد ونحوه، فيحرم تنفيذ وصيته أو الإعلان عنها.
أما إذا وجد ما يسيء للغير فلا ينشر ذلك ولا يُعلم به الآخر، ولا يكن سبباً في إيغار الصدور على الأموات وجر السباب واللعنات لهم، بدلاً من الدعاء بالمغفرة والرحمات، وربما يتجاوز الأمر فيؤدي إلى مشاكل وصراعات بينهم وبين أهله وأولاده!
ولفت إلى أنه إذا وجد ما يسيء للميت أخلاقياً أو سلوكياً، من علاقات محرمة أو مشبوهة مثلاً، وجب الستر عليه وفي الحديث: (ومن ستر مؤمناً ستره الله في الدنيا والآخرة)، إلا إذا كان الأمر يتعلق بتبرئة بريء أو برد حقوق دون التشهير بالميت أو فضحه بين الناس، وفي حدود المعنيين بذلك فقط، سواء من أفراد أو جهات معنية بالتحقيق في القضية.
ضرورة التنبيه على محال التقنية بعدم فتح الهواتف
أكدت المحامية قمر الكسادي، أن هناك ضوابط وضعها المشرع ونظمها، تحكم تفتيش الهواتف عامة، حيث يعد تفتيش الهاتف انتهاكاً للخصوصية، وقد يتسبب في حدوث مشاكل عديدة، منها الحصول على بعض الأرقام أو الاطلاع على محادثات مع آخرين وفضح أسرارهم ونشر صورهم.
وأضافت أن المادة 44 بصدد إفضاء الأسرار والاعتداء على الخصوصية، تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، والغرامة التي لا تقل عن 150 ألف درهم، ولا تزيد على 500 ألف، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم شبكه معلوماتية أو نظام معلومات إلكترونياً أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، بقصد الاعتداء على خصوصية شخص أو على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد من غير رضا، وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
وتابعت: من الممكن حين تفتيش هاتف المتوفى سواء كانت الزوجة أو الزوج، نقل أو إفشاء محادثات أو مواد صوتية ومرئية مع آخرين، أو نقل بيانات ومعلومات ولو كانت صحيحة وحقيقية، بقصد الإضرار، لذا يجب أن يرتكز الكيان الأسري بشكل عام على ضوابط أخلاقية بين الزوجين، في حياتهما وبعد وفاتهما.
وشددت على أهمية وضع ضوابط على المحال التجارية التي قد يلجأ لها أي كان لفتح الهاتف بزعم أنه نسي الرقم السري، قائلة: من الممكن أن يكون الهاتف ملكاً لشخص آخر، لذا نقترح أن تطلب المحال ممن يرغب فتح هاتف، التوقيع على إقرار يحوي بيانات الهاتف ونوعه، مع أخذ رقم هاتف هذا الشخص والاحتفاظ بصورة من هويته مع توقيعه، تحسباً لأية مساءلة قد تتعرض لها حال أي طارئ، وذلك بشكل عام للحد من ظاهرة تفتيش هواتف الآخرين، وانتهاك خصوصياتهم، وفتح هواتفهم دون علمهم ورضاهم، سواء في حياتهم أو بعد وفاتهم.
الهاتف ينتهي مع دفن صاحبه
الستر هو القاعدة الثابتة التي يجب عدم الحياد عنها، وهو ما أكده خالد الغيلي، ولفت إلى احترام خصوصيات وأسرار المتوفى التي قد يكون الكثير منها في هاتفه، ويجب اعتبار هذا الهاتف قد انتهى بوفاة صاحبه وعدم المساس به أو العبث بمحتوياته، وكشف ستر ما كان المتوفى يحرص على الاحتفاظ به.
وأضاف أنه يجب ذكر محاسن الموتى كما أوصي ديننا الإسلامي الحنيف، حيث قد يحمل هاتف المتوفى بعض الذكريات والصور والمحادثات التي لا يجب على أحد رؤيتها، وإن حدث عكس ذلك، قد يذهب التعاطف الذي كان يحظى به المتوفى، ويتحول إلى حقد وكره، وأيضا قد يضيع الاحترام والتقدير اللذان كان ينعم بهما في حياته، وربما يتحول الحزن على المتوفى الى الدعاء عليه.
وأكد أن جميع ما يخص المتوفى من أمور شخصية يجب عدم الاطلاع عليها ولا يجوز التطفل على ما كان له، حفاظاً على أسرته وتجنباً لعدم تناقل ما يحويه هاتفه فتلوك سيرته الألسنة بما يسيء له ويهدم وضعه ومكانته.
0 تعليق