خريطة العمارة السعودية وتأصيل الانتماء - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خريطة العمارة السعودية وتأصيل الانتماء - الهلال الإخباري, اليوم الأربعاء 19 مارس 2025 02:25 صباحاً

يشكل المعمار عنصرا أساسيا في تكوين هوية المدن من خلال ارتباطه بواقع العادات والتقاليد للمكان الذي وُجد فيه، معبرا عن شخصية أهله وما يميزهم عن غيرهم، فالعمارة ليست مجرد بناء، بل هي قصة تحكى عن الثقافة والتاريخ والجغرافيا، والارتباط النفسي والعاطفي بين الإنسان والمكان، فالمنزل أشبه ما يكون بكائن حي، يرتبط وجدانيا بأهله وسكانه، وكل مدينة من مدن المملكة تتميز بموروثاتها الثقافية التي تنعكس على العمارة والبناء فيها، انطلاقا من ثقافة أهلها ومتطلباتهم واحتياجاتهم المعيشية والاجتماعية والديموغرافية.

ومع الأسف فقد ابتعد المعمار خلال العقود الأخيرة عن هذا المفهوم بشكل كبير، إما لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، فلم يعد البناء الحديث يخضع لأي معايير انتمائية، وأصبح التركيز فيه فقط على النواحي الهندسية واتباع الأنظمة واللوائح والاشتراطات، مع إغفال النواحي النفسية والفلسفية التي كانت تعبر عنها العمارة القديمة والتي تؤكد عراقة وأصالة هذا المعمار وتأصيله لهوية المدن وارتباطه الوجداني بأهلها وسكانها، وما كانت عليه المنازل في السابق من التعبير الفني والفلسفي الذكي، النابع من احتياجات السكان، والذي ساهم بشكل كبير في تعزيز العلاقة الحميمية بين البيت وأهله، وأوجدت نوعا من الألفة والترابط الإنساني لم نعد نُحسه، فأصبحت العمارة في عصرنا الحاضر ليست سوى كتل خرسانية صماء، لا تعبر عن أي هوية ولا تشير الى أي ثقافة، وأضحت اليوم جميع المدن مستنسخة من بعضها البعض، ولا يوجد ما يميز أي مدينة عن الأخرى.

وقد يتبادر للأذهان أن حديثي عن خصوصية البناء والعمارة نوع من الترف أو المتعة، مع العلم بأني لا أقصد الجماليات أو الديكورات التراثية كما قد يظن البعض، فالحقيقة أن هناك مقومات أساسية مفقودة تتعلق بمسألة الانتماء للمكان، من خلال العناصر التي تميز المعمار عن غيره وتجعل له هوية مستقلة.

ولقد جاءت خريطة العمارة السعودية التي أطلقها سمو ولي العهد - يحفظه الله - لترسخ هذا المفهوم، وتعيد للمعمار هويته وأصالته وبريقه، وتجسد رؤية طموحة نحو تعزيز الإرث المعماري السعودي، وتأصيل الانتماء، فهي لا شك سوف تساهم في إبراز الهوية العمرانية الوطنية، كما أنها سترسخ التنوع المعماري المستوحى من ثقافة المملكة وخصائصها الجغرافية والتاريخية، من خلال الالتزام بالإرث العمراني العريق والتنوع الثقافي في مدن المملكة، فالعمارة السعودية تمثل مزيجا من الإرث العريق والتصميم المعاصر.. حيث يلتقي من خلالها الماضي الأصيل بالحاضر المبتكر، ليشكل تصاميم إبداعية ذات هوية أصيلة، بما يحقق توازنا بين الماضي والحاضر ويكون مصدر إلهام عالمي للابتكار في التصميم المعماري.

وشملت خريطة العمارة السعودية 19 طرازا معماريا مستوحى من الخصائص الجغرافية والثقافية للمملكة، لا شك أنه سيكون لها بإذن الله أثر كبير في تطوير مدن حضرية مستدامة تتناغم مع الطبيعة المحلية، وتوظف الطراز المعماري التقليدي بأساليب حديثة، فهي تعد مبادرة رائعة تعكس ثراء الإرث العمراني السعودي وتعزيز الهوية الوطنية، وتساهم في الارتقاء بالمشهد الحضري وجودة الحياة، وبما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، ونتطلع لرؤية أثر هذه الطرز المعمارية في المستقبل القريب إن شاء الله.

أخبار ذات صلة

0 تعليق