بينما كنت جالسا (في حالي) عائما بين محتويات بعض برامج التواصل الاجتماعي، أتاني خبر انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء إسبانيا والبرتغال في 28 أبريل 2025، مما أدى إلى غرق الملايين في الظلام وإرسال موجات من القلق عبر شبكة الطاقة الأوروبية. وبينما لا يزال السبب الدقيق قيد التحقيق المكثف، فإن الحجم الهائل والمفاجئ لانقطاع التيار الكهربائي في شبه الجزيرة الأيبيرية يمثل تذكيرا قويا بالتعقيدات الكامنة في التحول نحو مستقبل تهيمن عليه مصادر الطاقة المتجددة. نحن بالمملكة العربية السعودية، نشرع في تحقيق هدفنا الطموح المتمثل في الوصول إلى 50% من الطاقة المتجددة في مزيج طاقتنا بحلول عام 2030، فإن الدروس المستفادة من هذا الاضطراب الأوروبي، إلى جانب تجارب مثل انقطاع التيار الكهربائي في تكساس عام 2021، لا تقدر بثمن.

أشارت التقارير الأولية من مشغل الشبكة الإسبانية REE إلى احتمال وجود مشكلة في محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية باعتبارها سببا محتملا للحادث الأيبيري. أثار هذا نقاشات فورية حول استقرار الشبكات التي تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة مثل الطاقة الشمسية والرياح. في حين أن تقنيات الطاقة النظيفة هذه ضرورية لإزالة الكربون، إلا أن تقلبها يمثل تحديات كبيرة للحفاظ على إمدادات طاقة ثابتة وموثوقة. يؤكد انقطاع التيار الكهربائي في شبه الجزيرة الأيبيرية، على الرغم من أنه لا يزال قيد التدقيق، على الحاجة إلى إدارة قوية للشبكة وأنظمة احتياطية للتعامل مع التقلبات المفاجئة في توليد الطاقة المتجددة.

بعد الاطلاع على هذا الخبر، تذكرت التحديات التي واجهت انقطاع التيار الكهربائي في تكساس في فبراير 2021. في تلك الحالة، أدى الطقس البارد القارس إلى الفشل المتزامن لمختلف مصادر الطاقة، بما في ذلك الغاز الطبيعي والفحم وحتى بعض توربينات الرياح التي لم يتم تجهيزها بشكل كافٍ لمواجهة الشتاء. عانت تكساس، على الرغم من امتلاكها محفظة متنوعة من مصادر الطاقة بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة، من انقطاعات طويلة الأمد بسبب نقص الاستعداد لمثل هذه الظروف الجوية القاسية وعدم كفاية البنية التحتية للشبكة للتعامل مع الفقدان المفاجئ لجزء كبير من قدرتها التوليدية.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فأجد أن هناك بعض النقاط المهمة التي يجب أن نأخذها في الحسبان. فعلى الرغم من أننا في السعودية نمتلك إمكانات شمسية هائلة، إلا أن اتباع نهج متوازن أمر بالغ الأهمية. يمكن للاستثمار في محفظة متنوعة تشمل طاقة الرياح (خاصة في المناطق المناسبة)، والطاقة الشمسية المركزة (CSP) مع التخزين الحراري، وربما الطاقة الحرارية الأرضية، أن يخفف من المخاطر المرتبطة بتقطع مصدر متجدد واحد. كما تعتبر الشبكة الحديثة والمرنة ذات أهمية قصوى. ويشمل ذلك استثمارات كبيرة في خطوط النقل، وتقنيات الشبكات الذكية للمراقبة والتحكم في الوقت الفعلي، وأنظمة التنبؤ المتقدمة للتنبؤ بالتقلبات في إنتاج الطاقة المتجددة. يمكن لتعزيز الربط البيني مع الدول المجاورة أن يوفر حاجزا أثناء انقطاع الإمدادات ويسمح باستيراد أو تصدير الطاقة لتحقيق استقرار الشبكة، وذلك مع توفر أنظمة حماية ذكية وسريعة جدا تحمي شبكتنا المحلية. أيضا يعد الحفاظ على مستوى معين من التوليد المتزامن، مثل محطات توليد الطاقة بالغاز الطبيعي عالية الكفاءة، ضروريا لتوفير القصور الذاتي واستقرار التردد للشبكة، خاصة مع زيادة انتشار موارد الطاقة المتجددة القائمة على العاكس.

إدراكا لأهمية تخزين الطاقة، بدأنا في المملكة العربية السعودية بالفعل في تبني مشاريع تخزين الطاقة على نطاق واسع باستخدام البطاريات. تعتبر هذه المشاريع حاسمة لامتصاص فائض الطاقة المتجددة خلال فترات التوليد العالي وتوزيعها عند الحاجة، مما يؤدي بشكل فعال إلى تلطيف تقلبات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. سيكون المزيد من الاستثمار والابتكار في مختلف تقنيات تخزين الطاقة، بما في ذلك البطاريات والتخزين الكهرومائي (حيثما كان ذلك ممكنا جغرافيا) والتخزين الحراري لأنظمة الطاقة الشمسية المركزة، أمرا حيويا لضمان استقرار الشبكة مع ارتفاع نسبة مصادر الطاقة المتجددة.

يمثل انقطاع التيار الكهربائي في شبه الجزيرة الأيبيرية تذكيرا صارخا بأن الانتقال إلى مستقبل طاقة مستدام لا يتطلب أهدافا طموحة للطاقة المتجددة فحسب، بل يتطلب أيضا تخطيطا دقيقا واستثمارات كبيرة في البنية التحتية وفهما عميقا للتحديات التقنية التي تنطوي عليها إدارة شبكة تعتمد بشكل متزايد على مصادر متغيرة. من خلال التعلم من تجارب الآخرين، بما في ذلك انقطاع التيار الكهربائي الأوروبي الأخير وحادثة تكساس، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تبني بشكل استباقي نظام طاقة مرنا وموثوقا يستغل مواردها المتجددة الهائلة مع ضمان إمدادات طاقة آمنة لمستقبلها.