أبدأ هذا المقال بإحدى القصص المؤثرة في خدمات ما بعد البيع، والتي ذُكِرَت لي في إحدى الدورات التي كنت فيها في الخارج حيث قصَّ علينا المحاضر قصة رائعة في فن خدمات ما بعد البيع، والتي دارت أحداثها في اليابان، وهي أن سائحا من الولايات المتحدة الأمريكية أعجب بجهاز الكتروني في أحد المعارض وقام بشرائه، وكان من عادة المعارض فحص الأجهزة من أي نقص حين تصل إليهم من المستودع، فإذا وجدوا نقصا في أحدها وضعوا عليه شعارا أحمر وخصصوا له مكانا لغير البيع، لكن أحد البائعين أخطأ ووضع جهازا غير مخصص للبيع في المعرض، ونظرا لنقص موصل الكهرباء (الفيش) كان هذا الجهاز من نصيب السائح، وعندما تم اكتشاف الخطأ، عاد أحد المسؤولين في الشركة لفاتورة البيع التي كان من ضمن بياناتها هاتف العميل في الفندق الذي ينزل فيه، وتم الاتصال على الفندق الذي أبلغهم بأن السائح قد غادر إلى جهة غير معروفة فقاموا بإقناع الفندق للحصول على رقمه في الولايات المتحدة الأمريكية لحل المشكلة وإرسال موصل الكهرباء له، واستمروا في الاتصال عليه لمدة ثلاثة أيام في أوقات مختلفة ولم يجدوا إجابة للمكالمات، وفي اليوم الرابع تم الرد عليهم من قبل الخادمة التي كانت تأتي للمنزل يومين في الأسبوع عند غيابه وأبلغتهم أنه قادم في نهاية الأسبوع التالي، فتم الاتصال عليه في الموعد المحدد وإبلاغه بوجود نقص في الجهاز الذي تمَّ شراؤه منهم وطلبوا منه عنوانا لإرسال موصل الكهرباء له بالبريد السريع، وكانت تكلفة الاتصالات والمتابعة وإرسال موصل الكهرباء بالبريد السريع تعادل أضعافا مضاعفة لقيمة هذا الموصل الكهربائي، مما جعل هذا العميل في غاية الدهشة والاستغراب والسعادة والامتنان من حرص الشركة واهتمامها على إيصال هذه القطعة البسيطة له في بلده.

إن المقصود بخدمات ما بعد البيع هي الجهود التي تبذلها الشركة لدعم العميل بعد عملية الشراء وتشمل الدعم الفني والصيانة وتوفير قطع الغيار والاستبدال أو الإرجاع في فترة الضمان عند الحاجة والاستشارات والإرشادات حول الاستخدام الأمثل للمنتج والتواصل ومتابعة العملاء للتأكد من رضاهم والتغذية الراجعة التي تساعد في تطوير وتحسين المنتج من واقع إشراك العملاء في العمليات، وهي الطريقة المثالية التي تضمن رضا العميل وكسب ثقته واستمراريته وتعزيز مكانة الشركة في السوق وسمعتها في خدمات ما بعد البيع والقدرة التنافسية لها، وهي أيضا وسيلة فعالة لتحويل العملاء إلى سفراء للعلامة التجارية من واقع تجاربهم الإيجابية والافصاح عنها للغير، مما يؤدي إلى زيادة الأرباح والنجاح المستدام للشركة.

ليس من السهل تقديم خدمات راقية لما بعد البيع لأن ذلك يتطلب من الشركات عدة أمور أهمها توفير دعم فني عالي المستوى، وصيانة راقية ومحترفة، وذلك عن طريق قنوات اتصال متعددة لتسهيل الوصول للدعم كالهاتف والبريد الالكتروني وحسابات التواصل الاجتماعي والدردشة المباشرة، وتدريب فريق الخدمات بشكل مستمر وخاصة مهارات التواصل مع العملاء، مع استخدام أحدث أنواع التكنولوجيا المتقدمة مثل أنظمة إدارة علاقات العملاء لتتبع تواريخ العملاء ومنتجاتهم والتفاعل معهم، وتقديم ضمانات وسياسات إرجاع واضحة وسهلة للفهم، تعزز من ثقة العملاء في الشركة لأن ضمان الجودة هو جوهر خدمات ما بعد البيع وهو ما يؤكد على التزام الشركة بجودة منتجاتها ورعاية عملائها وحفظ حقوقهم، كما أن للمتابعة الدورية مع العملاء دورا مهما في رضا العملاء واستمرارهم في استخدام المنتج وضمان الولاء للشركة.

وأختم بمعلومة هامة جدا: هل خدمات ما بعد البيع تُقدَّم مجانا أم تكون عليها رسوم؟ وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من التركيز على ثلاثة أمور: أولها هو طبيعة المنتج أو الخدمة، حيث إن البعض منها يكون الضمان فيه شاملا ويغطي جميع الأعطال والتلف، وتكون خدمات الصيانة والإصلاح مجانا في فترة الضمان، وبعضها تكون عليها رسوم إضافية مقابل الصيانة والإصلاح، وأما الخيار الثاني فيعتمد على نوع العطل إذا كان عيبا في التصنيع فيكون إصلاحه مجانا، وأما إذا كان ناتجا عن سوء استخدام فستكون هناك رسوم على الصيانة والإصلاح، وفي الخيار الثالث الذي يعتمد على سياسة الشركة التي تختلف من شركة لأخرى فإن بعض الشركات تقدم خدماتها مجانية بشكل كامل وأخرى تفرض رسوما محددة، لذلك لا بد للمستهلك قراءة الشروط والسياسات بعناية فائقة والاستفسار عن أي غموض فيها قبل اتخاذ قرار الشراء.