نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الاكتئاب المبتسم والاختبارات - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 02:34 صباحاً
بين دفاتر الملاحظات وصفحات الكتب، تختبئ مشاعر القلق واليأس خلف ابتسامات لا تُفصح عن حقيقتها. هنا يبدأ الحديث عن "الاكتئاب المبتسم" - الوجه الذي يبدو مطمئنا، بينما الداخل يتصدع تحت ضغط التوقعات.
الاكتئاب المبتسم تلك الابتسامة التي تُخفي الألم فما هو ذلك الاكتئاب؟
الاكتئاب المبتسم هي حالة نفسية يعيش فيها الشخص معاناة داخلية، لكنه يتصنع مظاهر الهدوء والسعادة أمام الآخرين لا يبكي، لا يشتكي، لكنه ينهار من الداخل، هؤلاء الأشخاص غالبا ما ينظر إليهم كناجحين أو أقوياء، وهم في الحقيقة يعانون في صمت، غير راغبين في كسر صورة "المتفوق" التي يفرضها المجتمع.
للأسف تحولت الاختبارات من تقييم أكاديمي، إلى لحظة ضغط نفسي هائل، خاصة في المجتمعات التي ترتبط فيها الدرجات بمكانة اجتماعية ومصير مهني.
خلال هذه الفترة، يتزايد معدل القلق والحرمان من النوم، ويشعر كثير من الطلاب بالعجز أو الخوف من الفشل، فيتولد لدى البعض هذا النوع الخاص من الاكتئاب الذي لا يُرى، لكنه يثقل الكاهل، فالطالب المصاب بالاكتئاب المبتسم في الغالب لا يتحدث عن معاناته خشية من نظرة الآخرين على أنه "ضعيف". لذلك يضع قناع التفاؤل ويُخفي التوتر خلف ضحكات متكلفة.
الإنكار هنا يصبح آلية دفاعية يعتقد الفرد هنا أنها تساعده في الاستمرار، لكنها على المدى البعيد تُنهكه أكثر.
شعور الطالب بالقلق قبل الامتحان طبيعي، لكن عندما يتحول هذا القلق إلى حالة مزمنة تؤثر على النوم، أو الشهية، أو تدفعه للعزلة مع ابتسامة غير صادقة فهنا يقترب من الاكتئاب المبتسم.
هناك فرق جوهري بين القلق والاكتئاب فالقلق يزول بعد الحدث، بينما الاكتئاب يستمر ويتضاعف.
عندما يبدأ الطالب بكبت مشاعره، تبدأ علاقاته بالتدهور فيصبح أقل تواصلا وأكثر انعزالا، فلا يفهم الأصدقاء سبب تغيّره، والأساتذة يرون فقط أن أداءه في انخفاض فيُشيد الصمت حواجز من العزلة، تؤدي أحيانا إلى شعور الطالب بعدم الجدوى ورفضه لأي نوع من الدعم.
من المهم أن تلاحظ الأسرة والمعلمون العلامات الخفية، مثل تراجع الحماس، الانسحاب الاجتماعي، اضطرابات النوم، أو حتى ابتسامة مبالغ فيها لا تتوافق مع الموقف من خلال تقديم الدعم النفسي، وخلق مساحة آمنة للتعبير، فهما خط الدفاع الأول ضد تفاقم الحالة.
في موسم الاختبارات لا بد من دعم الصحة النفسية للطلاب من خلال التأكيد على تنظيم الوقت وتخفيف الضغط الزائد، وتشجيع الطلاب على التحدث عن مخاوفهم والحفاظ على نظام نوم وغذاء صحي والحد من المقارنة بين الطالب وأقرانه سواء في العائلة أو المدرسة.
الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى في طريق حلها، فحين يُدرك الطالب أن ما يشعر به ليس ضعفا بل تجربة بشرية مؤلمة، يبدأ في التحرر من القناع تتبعه خطوات أخرى بكتابة اليوميات، وطلب المساعدة من مختص، أو حتى التحدث مع صديق، كلها أدوات بسيطة لكنها قوية في نزع ذلك الحاجز النفسي.
في حياتي الأكاديمية في الجامعة أقابل أنواعا شتى من الطلاب بعضهم كان يضحك ويمزح وخلف الأبواب المغلقة يكون شخصا آخر، حكى لي أحدهم وكان طالبا عندي يفيض وجهه ابتسامة وسعادة في لقائي معه في مكتبي كاشفا لي الوجه الآخر "في كل يوم أضحك وأمزح في الكلية، لكن ما أن أعود للمنزلي أبكي وأحزن دون سبب، لم أكن أجرؤ على إخبار أحد حتى لا أسقط من عيون أصحابي وأظهر بمظهر الضعف حتى تعبت بشدة".
هذا النوع من التجارب يتكرر كثيرا، ويؤكد أهمية الحديث عن الاكتئاب المبتسم بعيدا عن الأحكام المسبقة.
النجاح الأكاديمي لا يجب أن يأتي على حساب الصحة النفسية. يجب أن توفر المؤسسات التعليمية برامج توعية، ومستشارين نفسيين، ومساحات آمنة للحديث. التعليم الحقيقي لا يقتصر على المناهج، بل يشمل بناء طلاب سليمين نفسيا واجتماعيا.
ختاما، قد تبدو الوجوه مشرقة في صباحات الامتحانات، لكن داخل بعض العيون تختبئ حكايات لا تُروى، "الاكتئاب المبتسم" ليس حالة فردية، بل ظاهرة يجب التوقف عندها بوعي ومسؤولية.
في بيئة تعليمية سليمة، لا يُقاس الطالب بدرجاته فقط، بل بسلامه الداخلي. فلنمنح كل ابتسامة فرصة للسكون الحقيقي، لا التظاهر، ولنفتح باب الرحمة والإنصات... قبل أن يفوت الأوان.
0 تعليق