الحكم باسم الشعب - الهلال الإخباري

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحكم باسم الشعب - الهلال الإخباري, اليوم السبت 31 مايو 2025 11:30 مساءً

في زمن التحولات السياسية العميقة، تتجدد التساؤلات حول معنى السلطة وحدودها ودور القيادة في حياة الشعوب ومن بين المفكرين الذين تناولوا هذه الإشكاليات بعمق وجرأة، برز اسم نيقولا ميكافيلِّي الذي ظهر طويلاً بصورة نمطية سلبية، لكنه كان مفكراً واقعياً سعى إلى فهم أسس الحكم الرشيد وتوازن القوى، في تصوره، تكمن قيمة القائد في قدرته على فتح المجال أمام الناس للمشاركة في تقرير مصيرهم السياسي.

لطالما ارتبط اسم مكيافيلِّي في الوعي الجمعي بصورة المستشار السياسي الداهية، الذي لا يتورّع عن تقديم النصح للحكام باستخدام الخديعة والبطش حفاظاً على سلطتهم ومع أن هذا الانطباع يستند إلى قراءات مجتزأة من كتابه الشهير «الأمير» (الصادرعام 1513)، إلا أن مكيافيلِّي، في الواقع، كان مفكراً جمهورياً عميقاً، عاش تحولات سياسية كبرى في فلورنسا الإيطالية، وشهد سقوط الجمهوريات وصعود الطغاة، ألّف إلى جانب «الأمير» كتاب «المطارحات»، و«تاريخ فلورنسا»، حيث قدّم تحليلات لتجارب الإصلاح والفشل السياسي، هذه التعددية هي ما يسعى جون بي. ماكورميك إلى إبرازها في كتابه «أمراء الشعب: مكيافيلِّي، القيادة، والحرية»، الصادر عن جامعة شيكاغو في 2025، عبر قراءة تضيء على البعد الديمقراطي في فكر المفكر الفلورنسي.
يُعدّ ماكورميك، أستاذ الفكر السياسي بجامعة شيكاغو، من أبرز الأصوات التي أعادت النظر في تراث مكيافيلِّي خلال العقدين الأخيرين، في هذا الكتاب يتخذ موقفاً حاسماً من التفسيرات التي تفصل بين أعمال مكيافيلًي، ويسعى إلى تصور شامل يعيد ربط مفاهيم القيادة، الفضيلة، والحكم الشعبي، تنطلق أطروحته من فكرة أن مكيافيلِّي يرى القادة الناجحين أولئك الذين يُسهمون في تأسيس مؤسسات تُمكّن الشعوب من الاستغناء عنهم لاحقاً وأنّ القيادة الفاضلة هي التي تمهّد الطريق لنظام جمهوري يُمكّن المواطنين من المشاركة المباشرة في إدارة شؤونهم.
يتكوّن الكتاب من مقدمة تمهيدية تشرح العلاقة بين القيادة والديمقراطية، ثم ثلاثة أجزاء تركّز على نماذج من القادة الذين درسهم مكيافيلِّي، يستعرض ماكورميك في الجزء الأول، «الطغيان النافع»، شخصيات مثل أجاتوكليس وتشيزري بورجيا ونابيس، بوصفهم قادة لجأوا إلى التسلط، لكنهم مثّلوا لحظات سياسية ضرورية أفضت إلى نوع من الاستقرار، كما يقارن بين طغاة اليونان ومصلحي روما ككليومينيس وغراكي ويوليوس قيصر، لفهم العلاقة بين استخدام السلطة والتحول الديمقراطي.
أما في الجزء الثاني، «القيادة المدنية»، فيركّز على قادة حكموا بموجب مؤسسات قانونية مثل لوشيوس بروتوس، كاميلوس، وبيرو سوديريني، الذين عرفوا متى ينسحبون طواعية من السلطة، كما يتناول شخصيات رمزية مثل موسى وسافونارولا، ويوضح أن مكيافيلِّي لم يكن معادياً للدين، بل رآه قوة معنوية تدعم الاستقرار إذا ما أُدرجت ضمن مؤسسات قابلة للمساءلة. يناقش كذلك الفساد السياسي، والمحاكمات العامة، عبر حالات مثل ماركوس مينينيوس وسوديريني ويقارن بين القيادة المدنية والأميرية، كما في باكوفيوس كالانوس وتشيزري بورجيا.
ويركّز ماكورميك في الجزء الثالث، «القيادة الطائشة في تاريخ فلورنسا»، على قادة فشلوا في تحقيق الإصلاح مثل جيانو ديلا بيلا وكورسو دوناتي وميكيلي دي لاندو، لم يكونوا بالضرورة أشراراً، لكن غياب الرؤية أو هشاشة المؤسسات أدّى إلى فشل مشروعاتهم، كما يستعرض نماذج لطغاة لم ينجحوا حتى في التمظهر كقادة أخلاقيين، مثل أبيوس كلاوديوس ووالتر بريان ويقدّمهم كمثال على العجز عن الجمع بين السلطة والمشروعية.
تُختتم فصول الكتاب بخاتمة تحليلية تعيد التوكيد على أن مكيافيلِّي، بعيداً عن صورته كمعلّم للمكر، كان معنياً بكيفية جعل السلطة خاضعة للرقابة الشعبية. ويؤمن ماكورميك أن مكيافيللي لا يجب أن يُقرأ فقط كشخصية من القرن السادس عشر، بل كمفكر معاصر يساعدنا على فهم تحديات السياسة اليوم: من أزمة النخب، إلى تآكل الفعل الجماعي ويدعو إلى الاستفادة من فكره في بناء قيادة مسؤولة، تؤمن بأن عظمة الحاكم تكمن في تقليص الحاجة إليه، لصالح شعب حرّ ومؤسسات قوية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق