نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
موقعية الأردن وغباء الإخوان السياسي - الهلال الإخباري, اليوم السبت 26 أبريل 2025 08:16 مساءً
إذن هي إسرائيل بحكومتها اليمينية المتطرفة التي تعلن عن إرادتها العبث بالجغرافيا السياسية، وتسعى جاهدة إلى إعادة تشكيل المنطقة لتأسيس دولتها اليهودية الكبرى، وحتما لن يكون لها ذلك إلا بتفتيت الدول الوطنية القائمة حاليا، وذلك بإثارة الفتن والقلاقل داخلها، إذ تدرك إسرائيل منذ الابتداء جوهر حقيقة أزمتها الكامنة في اختلال الميزان الديمغرافي داخل فلسطين والدول العربية المحيطة، فكان أن زاد ذلك من خشيتها بأن يكون اليهود أقليَّة حاكمة لأكثرية فلسطينية متزايدة باستمرار، في جوار عربي متماسك، الأمر الذي يشكل تهديدا مستمرا لوجودهم السياسي والاجتماعي على المدى المنظور. ولذلك كان إعلانها الرسمي في نهاية التسعينات من القرن الماضي الانتقال من الأسرلة كمرحلة ظرفية انتقالية إلى التهويد كمرحلة استراتيجية.
ولتحقيق ذلك عمدت إلى تسريع وتيرة الهجرة الإكراهية للفلسطينيين تلافيا لتحولهم إلى أكثرية سكانية داخل فلسطين التاريخية، مع إعلانها استحالة القبول بعودة اللاجئين الفلسطينيين في أي تسوية محتملة في المستقبل؛ كما عمدت إلى تكريس شعار "يهودية الدولة"، وهو ما يعني تشريع الاستيطان وتهويد الفضاء العمراني والأثاري، وليس في حدود أرض فلسطين المحتلة وحسب، بل وفي نطاق جغرافي عربي أوسع، وهو ما لا يدركه بعض المتفذلكين بجهل الذين أرهقونا بافتئاتهم العلمي على النص التاريخي بغباء سياسي.
وإذا كان أثر أولئك المتفذلكين محدودا في الوقت الراهن، فأثر جماعة الإخوان المسلمين أكثر ضررا وأشد فتكا على المدى القريب والبعيد، ذلك أنهم قد أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك بأن لديهم مناعة صلبة ضد الفهم وإدراك ما نعيشه من واقع سياسي، بل وتأكد بأنهم يسهمون في خدمة المشروع الصهيوني بسياساتهم غير الواعية، وهو ما تحتاجه الآلة الاستخبارية اليهودية لتمرير مخططها وتنفيذه على أرض الواقع.
لقد أثبت إخوان الأردن غباءهم السياسي طيلة أحداث الأزمة الراهنة، وبرهنوا على عدم إدراكهم لحساسية المرحلة، وإشكال موقعية الأردن الجغرافي، ولم يلتفتوا إلى الجوانب الإيجابية التي تعاطت بها الدولة الأردنية خلال أزمة فلسطين الراهنة، حيث سحبت الدولة الأردنية سفيرها وطاقمها الدبلوماسي من إسرائيل، وأخرجت السفير الإسرائيلي وطاقم السفارة الدبلوماسي منذ الابتداء، ولم تتوان عن مساعدة أهل غزة بعديد من التجهيزات الطبية والمستشفيات الميدانية والإغاثات الإنسانية، كما سمحت للناس بأن يعبروا عن رأيهم، ويرفعوا صوتهم الصاخب والرافض لكل الجرائم التي ترتكبها حكومة نتنياهو في فلسطين المحتلة، فلم يتم منع أي مظاهرة أو تجمع احتجاجي، وشاركت عبر ملكها وحكومتها في كل الحملات الدولية للدفاع عن فلسطين وأهلها، إلى غير ذلك من الإجراءات الداعمة وفق الممكن سياسيا.
ومع ذلك لم يتعاط المنتمون لتنظيم الإسلام السياسي مع وتيرة الأحداث وتطورها بوعي وإدراك ومسؤولية، وعمدوا في خطاباتهم إلى تجييش شارعهم باسم الدفاع عن فلسطين ضد طبيعة وهوية الدولة الوطنية، وطالبوا بجهالة سياسية بإلغاء اتفاقية السلام، وكأن المراد (كما ذكرت في مقال سابق على هذه الجريدة) أن نهدم بقية البيت على رؤوسنا في سبيل تحرير غرفة فيه، وحتما فذلك ليس من المنطق، ولا يمت لأي إدراك تاريخي ووعي سياسي.
على أنهم أيضا لم يكونوا صادقين في خطاباتهم وتوجههم السياسي، إذ في الوقت الذي يرفعون أصواتهم في الأردن وفي أوطاننا العربية جملة، منددين ومطالبين بمواقف سياسية متطرفة، نجدهم يغضون الطرف ويغمضون أعينهم عن تركيا مثلا، التي ظلت على وتيرة علاقتها القوية مع إسرائيل بالرغم من كل المجازر في غزة، بل واستمرت في علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، ولم تقم بالضغط عليها لإيصال أي مساعدات إنسانية مباشرة إليها ولو عبر البحر، أسوة بما قامت به الأردن مثلا، إلى غير ذلك من الأعمال السياسية واللوجستية التي يمكن لتركيا أداؤها، وبالرغم من ذلك فلم نسمع صوتا منددا بهم، وبحكومة تركيا الإخوانية، وحتما فذلك من الازدواجية المقيتة في الرأي والعمل الذي شكل سمتا سياسيا في خارطة الإسلام السياسي.
أخيرا أختم بالإشارة إلى لقطة في حديث معالي سميح المعايطة وهي المتعلقة بأزمة الجغرافيا، وقوله إن قدر الأردن الجغرافي أن تكون له حصته من محاولات العبث والتدخل والارتزاق، لافتا النظر إلى أهمية أن يحافظ الأردن على ذاته من أي تأثير سلبي يمس بقاء الدولة واستمرارها، لأؤكد على هذا الوعي المهم، وأشدد على أهمية أن تدرك الحكومة جانبا من خبايا الخبث السياسي الإسرائيلي لإثارة علائق الفتنة في الساحة الأردنية؛ على أني أؤمن بحكمة الدولة الأردنية، وقدرتها على تجاوز تأثيرات المرحلة السلبية وارتداداتها السياسية على الشارع الأردني، ليقف صفا واحدا في مواجهة العدو.
0 تعليق