بين التعارف والتآلف، كيف غيرت وسائل التواصل العالم - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين التعارف والتآلف، كيف غيرت وسائل التواصل العالم - الهلال الإخباري, اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025 12:57 صباحاً

في عام 2016 أجرت شركة فيسبوك دراسة كشفت أن متوسط المسافة بين أي شخصين في العالم لا يتجاوز 3.57 أشخاص. هذا يعني أن شخصا جالسا في قرية صغيرة يمكن أن يكون متصلا بشكل غير مباشر بشخصية عالمية مشهورة أو برئيس دولة عبر ثلاث أو أربع خطوات فقط من المعارف. هذه النتيجة لم تكن مجرد إحصائية تقنية، بل هي انعكاس عميق لتحول جذري في طبيعة العلاقات الإنسانية. لقد أصبحت المسافة بين البشر أقصر من أي وقت مضى، ليس فقط بمعنى التواصل الجغرافي، بل بمعنى الاتصال النفسي والثقافي أيضا.

قبل مئات السنين كانت فكرة أن شخصا عربيا في الصحراء قد يعرف بوجود الهنود الحمر في القارة الأمريكية أمرا مستحيلا. وقبلها بألف عام لم يكن سكان الصين على الأرجح يعرفون شيئا عن الشعوب ذات البشرة السمراء في أفريقيا. كان الإدراك الإنساني للعالم محدودا بالأفق الذي ترسمه المسافات الشاسعة والحدود الجغرافية. كان "الآخر" فكرة مجردة وغامضة، محصورة في الأساطير أو قصص الرحالة، لكن في عالمنا الحديث، أزالت شبكات التواصل الاجتماعي الحواجز التي فصلت البشر عبر التاريخ.

تعمق الاتصال البشري بفضل هذه الشبكات إلى ما هو أبعد من مجرد معرفة الآخر، ليصل إلى مرحلة التعاطف وتبادل الخبرات والثقافات. لم يعد الإنسان مجرد متلقٍ للمعلومات، بل أصبح مشاركا فعالا في تشكيل العالم الرقمي الذي يجمع الجميع. يستطيع أي شخص اليوم متابعة حياة آخر يعيش على بعد آلاف الكيلومترات، يتعلم منه، يتأثر به، وربما يتعاطف مع قضاياه، رغم اختلاف الخلفيات واللغات والثقافات.

لكن هذا القرب الافتراضي يحمل في طياته مسؤولية تتجاوز مجرد الاستمتاع بالتواصل. إنه يتطلب وعيا ذاتيا يدرك من نحن في هذه الشبكة العالمية المتشابكة، ووعيا بالآخر يفهم أن خلف كل صورة أو منشور إنسان يحمل حياة مليئة بالتفاصيل المعقدة. يصبح الوعي بهذا الواقع ضرورة ملحة، لأن غياب الإدراك قد يحول هذه الشبكات إلى ساحات للعداوة وسوء الفهم بدلا من التعاطف والتبادل الثقافي.

في نهاية المطاف، أصبح إدراك هذه الحقيقة ضرورة وجودية. لم نعد فقط متصلين عبر شبكات الجوال أو الإنترنت، بل أصبحنا جزءا من نسيج عالمي واحد. وعي الإنسان الحديث بهذه العلاقة المعقدة هو مفتاح التعامل بحكمة مع العالم الذي أصبح الآن على بعد لمسة زر. إن الوعي المتبادل هو ما يمكن أن يحول هذا الاتصال من مجرد تبادل معلومات إلى تواصل إنساني حقيقي يجعل العالم مكانا أفضل.

aziz33@

أخبار ذات صلة

0 تعليق