نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الطوارئ الكوكبية والسياسات التكنولوجية في إدارة الأزمات - الهلال الإخباري, اليوم السبت 1 مارس 2025 10:54 مساءً
في ظل عالم يشهد تحديات أمنية متزايدة، من الانتشار النووي والأمن السيبراني إلى الصراعات المسلحة والأوبئة والانهيارات المالية، يقدم كتاب «الأمن في عالم مضطرب: الطوارئ الكوكبية وسياسات التكنولوجيا في إدارة الأزمات» للمؤلف كولومبا بيبلز، رؤية تحليلية لكيفية التعامل مع الأزمات الكوكبية وإدارتها في سياقات أمنية متداخلة.
يُعد مفهوم الأزمة عنصراً أساسياً في تصوير انعدام الأمن في العصر الحديث؛ إذ تتجلى في مختلف القضايا التي تهدد استقرار المجتمعات والدول، مثل النزاعات المسلحة، والأزمات السياسية، والمخاطر البيئية، والتحديات التقنية. ومع تصاعد وتيرة الطوارئ المناخية والبيئية التي تهدد إمكانية استمرار الحياة على الأرض، يطرح الكتاب تساؤلات جوهرية حول كيفية إدراك الأزمات وإدارتها على المستوى الكوكبي.
يعتمد هذا الكتاب الصادر عن جامعة أكسفورد في سبتمبر 2024، على مقاربة متعددة التخصصات، حيث يرى أن دراسة الأمن والأزمات على نطاق كوكبي يتطلب تجاوز الحدود التقليدية لعلم العلاقات الدولية والدراسات الأمنية. ولذلك، يتبنى نهجاً يجمع بين النظريات السياسية والأنثروبولوجيا، ويدمج دراسات المناخ والبيئة ضمن إطار الأنثروبوسين، إلى جانب تحليل دور التكنولوجيا في إدارة الأزمات. كما يستكشف كيفية ارتباط «إصلاحات التكنولوجيا السياسية» بأسئلة أعمق حول الهوية الجماعية ومستقبل الكوكب.
من خلال دراسة سياسات التكنولوجيا في إدارة الأزمات، يناقش الكتاب دور «الهندسة الجيولوجية» كأحد الحلول التقنية المطروحة لمواجهة الأزمات البيئية والمناخية. كما يتناول مفهوم «الخيال الاجتماعي-التقني» في صياغة تصورات مستقبلية حول الأمن الكوكبي، مع تحليل نقدي للأساليب التقليدية في التعامل مع الأمن الدولي.
إحدى القضايا الأساسية التي يعالجها الكتاب هي «الطوارئ الكوكبية»، حيث يربط بين النقاشات حول «حالة الطوارئ الكوكبية» في السياسات والخطابات الأوسع، والتي تركز على أزمات المناخ، وانقراض الأنواع، والمخاطر المرتبطة بانهيار التنوع البيولوجي. يتناول الكتاب كيف يمكن أن تشكل الكوكبية سياقاً جديداً لفهم الأمن الدولي، وما إذا كان ينبغي لها أن تحل محل مفاهيم مثل «الدولية» أو «العالمية».
يستشهد المؤلف بأعمال مثل كتاب ريتشارد فالك (1972) «هذا الكوكب المهدد: آفاق ومقترحات لبقاء البشرية»، وإي. إتش. كار (1939) «أزمة العشرين عاماً، 1919-1939: مقدمة لدراسة العلاقات الدولية»، وكارل بولاني (1957) «التحول الكبير: الأصول السياسية والاقتصادية لعصرنا»، والتي تناولت منذ عقود قضايا مرتبطة بالمخاطر الكوكبية، مشيراً إلى أن هذه القضايا باتت اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
ويناقش الكتاب مفهوم «السياسات التكنولوجية» باعتباره جزءاً أساسياً من استراتيجيات الأمن وإدارة الأزمات الكوكبية. ويستعرض كيفية استخدام التكنولوجيا بصفتها أداة سياسية، مستشهداً بأعمال جابرييل هيتش وبول ن. إدواردز، اللذين حللا التداخل بين التكنولوجيا والسياسة، لا سيما في مجالات مثل الطاقة النووية. يوضح الكتاب أن التكنولوجيا ليست مجرد أداة محايدة؛ بل هي جزء من البنية السياسية والاقتصادية التي تؤثر في صنع القرار في الأزمات العالمية.
الأزمة البيئية وصراع البقاء
يرى الكاتب أن البشر خرجوا من دائرة الحياة، ليس بدافع الحاجة البيولوجية؛ بل بسبب التنظيم الاجتماعي الذي ابتكروه لغزو الطبيعة؛ إذ تقوم وسائل تحقيق الثروة على متطلبات تتعارض مع تلك التي تحكم الطبيعة. والنتيجة النهائية هي الأزمة البيئية، والتي تعد في جوهرها أزمة بقاء. ولكي نتمكن من الاستمرار في العيش، يجب علينا إغلاق هذه الدائرة. علينا أن نتعلم كيف نعيد إلى الطبيعة الثروة التي نستعيرها منها.
ويضيف أن كلمات باري كومونر، التي نُشرت في أوائل سبعينات القرن الماضي في الصفحات الأخيرة من كتابه «إغلاق الدائرة»، يمكن أن تتماهى بسهولة مع العديد من التعليقات الحديثة والعاجلة حول «حالة الطوارئ الكوكبية» أو «الأزمة البيئية والمناخية» للأرض. لكن الحكم على هذا الأمر يبقى ذاتياً؛ إذ يعتمد على السياقات التي يتم فيها تقييم أفكار كومونر ومدى توافقها مع الطروحات الحديثة. على المستوى المجازي، يبدو أن كومونر قد أطلق أفكاراً لا تزال تلقى صدى في بعض التقييمات المتعلقة بحالة الطوارئ الكوكبية والأزمة البيئية، والتي باتت قضايا متنامية تحظى باهتمام شعبي وأكاديمي متزايد. يخبرنا كومونر أن «الأزمة البيئية» هي أزمة مستمرة، تتمثل في الصراع بين أشكال التنظيم الاجتماعي الحديثة وإنتاج الثروة من جهة، وبين الطبيعة ومتطلباتها من جهة أخرى. وهي في جوهرها أزمة بقاء.
من هذا المنطلق، قد يُنظر إلى تحليل كومونر وهواجسه باعتبارها متوافقة بشكل كبير مع الخطابات الحديثة حول «حالات الطوارئ» و«الانقراض». فمفهوم «البقاء» بالنسبة لكل من «الإنسانية» و«الطبيعة» أصبح في خطر، حيث يُنظر إليه، سواء في طرح كومونر أو في الخطابات الأحدث، على أنه احتمال غير مضمون ما لم يتم اتخاذ إجراءات كبيرة.
بنية الكتاب
يستهل بيبلز كتابه بمقدمة تسلط الضوء على الدوافع الفكرية وراء هذا العمل. يشير إلى أن الكتاب هو نتاج سنوات من البحث والتأمل في موضوعات مثل «السياسات الكوكبية» و«الأزمة» و«السياسات التكنولوجية». في الفصل الأول «الأزمة، النقد، وانعدام الأمن الدولي»، يتناول بيبلز مفهوم «الأزمة» كعنصر محوري في فهم انعدام الأمن الدولي. يُقدم الكاتب نقداً للمقاربات التقليدية في دراسة العلاقات الدولية، داعياً إلى تبني رؤى جديدة تتناسب مع تعقيدات الأزمات المعاصرة.
ويركز في الفصل الثاني «من حالات عدم اليقين العالمية إلى حالات انعدام الأمن الكوكبي» على التحول من مفهوم «عدم اليقين العالمي» إلى «انعدام الأمن الكوكبي». يُحلل بيبلز كيف أن التحديات البيئية والمناخية، مثل تغير المناخ وانقراض الأنواع، قد أعادت تشكيل فهمنا للأمن. ويناقش الفصل الثالث «تحديد حدود حالات انعدام الأمن الكوكبي» مسألة «حدود» انعدام الأمن الكوكبي. يُشير إلى أن التحديات الكوكبية تتطلب تعاوناً دولياً يتجاوز المصالح الوطنية الضيقة.
ويقدّم الفصل الرابع «التفكير في إدارة الأزمات» تحليلاً نقدياً لمفهوم «إدارة الأزمات». يستعرض بيبلز الأدبيات الموجودة حول هذا الموضوع، مسلطاً الضوء على التوترات بين الحاجة إلى اتخاذ قرارات سريعة في الأزمات وبين التعقيدات السياسية والتكنولوجية المحيطة بها. يُبرز أهمية تطوير استراتيجيات مرنة وقابلة للتكيف مع طبيعة الأزمات المتغيرة.
ويركز الفصل الخامس «الهندسة الجيولوجية والسياسات التكنولوجية في إدارة الأزمات الكوكبية» على دور «الهندسة الجيولوجية» بصفتها أداة محتملة لإدارة الأزمات الكوكبية، خاصة تلك المتعلقة بتغير المناخ. يُؤكد ضرورة وجود حوكمة عالمية فعّالة لضمان استخدام مسؤول وآمن لهذه التقنيات.
ويستكشف الفصل السادس «الأزمة الكوكبية عند حدود الخيال الاجتماعي-التقني» العلاقة بين الأزمات الكوكبية والخيال الاجتماعي-التقني. يُبرز دور الأدب والسينما والفنون في تشكيل هذه التصورات، ما يؤثر بدوره في السياسات والاستراتيجيات المتبعة.
ويركز الفصل السابع «العودة إلى التقنية الكوكبية» على مفهوم «التقنية الكوكبية»، مُستعرضاً كيف أن التكنولوجيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تشكيل وإدارة الأزمات الكوكبية. يُحلل بيبلز التفاعلات بين التكنولوجيا والسياسة والبيئة، مشيراً إلى أن الحلول التقنية وحدها ليست كافية؛ بل يجب أن تكون مصحوبة بفهم عميق للتعقيدات الاجتماعية والسياسية.
يختتم بيبلز كتابه بتلخيص الأفكار الرئيسية، مؤكداً أهمية تبني نهج متعدد التخصصات لفهم وإدارة الأزمات الكوكبية. يُشدد على أن التعاون الدولي، والحوكمة العالمية، والوعي بالتفاعلات بين التكنولوجيا والمجتمع، هي عناصر أساسية لضمان مستقبل آمن ومستدام لكوكب الأرض.
0 تعليق