نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
غسيل الملابس آخر صيحات التناقض الفرنسي الأبدي - الهلال الإخباري, اليوم الخميس 13 فبراير 2025 12:37 صباحاً
من كان يظن أن معركة الحفاظ على البيئة التي صرف عليها المليارات وأقيمت لها المؤتمرات في أنحاء المعمورة لمواجهة أكبر التحديات التي تكمن في التلوث الصناعي، والانبعاثات الكربونية وتكدّس النفايات البلاستيكية، ستصل إلى غسيل الملابس؟ للأسف هذا ما حدث، فقد جاءت فرنسا كعادتها في الريادة الفكرية لتخبر العالم أن المعضلة الحقيقية تكمن في عدد مرات غسل الجوارب!
قبل أيام أصدرت وكالة التحول البيئي الفرنسية، التي تضم نحو 1000 موظف بتكلفة سنوية تصل إلى 4.2 مليارات يورو، دليلا تحت عنوان «كيف تقوم بالتنظيف بطريقة بيئية؟»، وتوصي بغسل الملابس عندما تكون متسخة جدا، مشيرة إلى أن الغسيل المتكرر يزيد من استهلاك الكهرباء في المنازل، ويزيد من تلوث المياه، ويؤدي إلى اهتراء الملابس بشكل أسرع، إذ ينبغي غسل الثياب الداخلية بعد كل استخدام، بينما يمكن غسل سروال الجينز بعد 15 إلى 30 لبسة.
هذه الخطوة دفعتني لطرح سؤال مهم: هل غسيل الملابس بانتظام يجعل الشخص متواطئا في تدمير كوكب الأرض؟ إذا كان كذلك لا بد من إعادة النظر في مفهوم النظافة، كيف لا، والوكالة الفرنسية تقترح تقليل عدد مرات الغسيل، واستبدال الماء الساخن بالبارد، وعدم استخدام المنظفات التقليدية التي تحتوي على مواد كيميائية، بل اللجوء إلى حلول طبيعية مثل الخل وصودا الخبز، ولم تتوقف التوصيات عند هذا الحد، بل هناك اقتراح آخر أكثر إبداعا وهو تهوية الملابس بدلا من غسلها فلا داعي للصابون أو المياه، فما على الشخص سوى تعليق القميص المتعرق ليتفاعل مع الهواء الطلق.
لذلك، لا استغراب في دخول شخص ما لأحد الاجتماعات وهو يرتدي ثيابا رثة لم تغسل منذ أسابيع، مبررا ذلك بأنه شخص واع بيئيا، ووفقا لهذا الطرح سيصبح البقاء بملابس غير مغسولة رمزا للالتزام بالحفاظ على الكوكب، وسيتحول الاحتفاظ بالبقع والأوساخ إلى علامة فخر بيئي تماما كما يتفاخر البعض اليوم بعدم امتلاك سيارة أو عدم استخدام هاتف ذكي وغيره من الصيحات البيئية الغريبة والعجيبة في كثير من الأحيان.
الأكثر غرابة في هذه الدعوات أنها تأتي من فرنسا، التي تشتهر بأفخم الماركات العالمية في الأزياء والعطور، فكيف تصدر أحد مؤسساتها مطالبات بتقليل غسل الملابس حفاظا على البيئة، وكيف يتماشى ذلك مع ثقافة الأناقة الباريسية؟ هل سنرى قريبا عروض أزياء تعتمد على إعادة تدوير رائحة الملابس بدلا من أقمشتها؟ وهل سنشهد قريبا ظاهرة انتشار العطور القوية لتعويض النقص في عدد مرات الغسيل؟ وهل سيعود الفرنسيون لاستخدام البودرة المعطرة كما كان يفعل نبلاء القرن الثامن عشر؟
يبدو أن فرنسا دخلت عصرا جديدا من البيروقراطية البيئية، حيث تتحول أبسط العادات اليومية إلى مواضيع للنقاش الحكومي، ومع استمرار هذه التوصيات لا بد من البحث في جدواها هل هي حلول حقيقية أم مجرد محاولات عبثية لتحميل الأفراد مسؤولية أزمة بيئية تسببت فيها سياسات الدول والشركات الكبرى، فيكفي القول إن فرنسا نفسها ليست مثالا يحتذى به في التقشف البيئي، فهي تصنع أفخم السيارات، وتستهلك كميات هائلة من الكهرباء لإنارة برج إيفل، ثم تطلب من المواطن العادي أن يقتصد في دورات الغسيل!
لذلك ينبغي على وكالة التحول البيئي الفرنسية الاطلاع على تجارب دول أخرى في العالم، قدمت حلولا حقيقية مثل تلك التي تقدمها المملكة العربية السعودية ممثلة في «مبادرة السعودية الخضراء» التي أطلقتها في عام 2021م، والتي تجمع بين حماية البيئة وانتقال الطاقة وبرامج الاستدامة لتحقيق أهدافها الشاملة في تعويض وتقليل الانبعاثات الكربونية، وزيادة استخدام الطاقة النظيفة في المملكة، ومكافحة تغير المناخ، من خلال برامج الاستثمار في مصادر الطاقة الجديدة، وتعزيز كفاءة الطاقة، والارتقاء ببرامج احتجاز الكربون وتخزينه، حيث تلتزم المملكة بتوليد 50% من طاقتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2030.
كما تأتي هذه المبادرة إلى جانب أخرى هي «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، التي تهدف إلى الحد من وإدارة الانبعاثات، وتعزيز استخدام الطاقات المتجددة، وزيادة الغطاء النباتي، إضافة إلى الخطط الطموحة التي تعمل عليها المملكة حاليا، وتتمثل في أن تصبح أكبر مورد للهيدروجين، وهو وقود يُنظر إليه على أنه محوري للحد من تغير المناخ.
0 تعليق