بين الثورتين، الفرنسية والسورية - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين الثورتين، الفرنسية والسورية - الهلال الإخباري, اليوم الاثنين 10 فبراير 2025 10:40 مساءً

الثورات الشعبية تمثل لحظات محورية في تاريخ الشعوب، حيث تسعى الجماهير المظلومة إلى التغيير الشامل في الأنظمة السياسية والاجتماعية. الثورة الفرنسية (1789-1799) والثورة السورية (2011-2024) تقدمان نموذجين بارزين لمثل هذه اللحظات التاريخية، رغم الفارق الزمني والجغرافي والثقافي بينهما. ومع ذلك، فإن مقارنة العوامل والمقدمات التي أدت إلى كلتا الثورتين، بالإضافة إلى محاولة إسقاط النتائج الناجحة للثورة الفرنسية على الثورة السورية، يمكن أن تكشف عن أوجه التشابه والاختلاف، وكذلك عن مدى إمكانية تحقيق نتائج مشابهة في الحاضر.

كان لعصر التنوير والفلاسفة المرتبطين به دور حاسم في تشكيل أفكار وقيم الثورة. في المقابل، الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، رغم اختلاف السياق التاريخي والثقافي، أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت هناك عوامل فكرية أو فلسفية مشابهة قد أثرت على مسارها.

كان عصر التنوير في القرن الثامن عشر فترة ازدهار فكري، حيث انتقد الفلاسفة النظام القديم القائم على الملكية المطلقة وامتيازات النبلاء ورجال الدين. دعوا إلى قيم الحرية والمساواة والعدالة، مما مهد الطريق لرفض النظام الملكي والاستبداد.

ركز فولتير على أهمية حرية التعبير والدين، وانتقد سلطة الكنيسة وتدخلها في السياسة. أما جان جاك روسو فقد قدم مفهوم «العقد الاجتماعي»، الذي أكد أن السلطة يجب أن تكون نابعة من إرادة الشعب، مما ألهم الدعوات لإقامة حكومة ديمقراطية. كان هناك مونتسكيو أيضا الذي ركز على فصل السلطات كوسيلة لمنع الاستبداد، وهو مفهوم أساسي في بناء أي نظام ديمقراطي. لدينا أيضا ديدرو الذي قام من خلال «الموسوعة»، نشر أفكار التنوير بشكل واسع، مما ساعد على توعية الناس بحقوقهم. لم تقتصر أفكار التنوير على النخبة المثقفة فقط، بل انتشرت بين الطبقات المتوسطة والدنيا بفضل الطباعة والصحافة. أصبحت هذه الأفكار مصدر إلهام للشعب الفرنسي للمطالبة بحقوقهم، وشكّلت الأساس الأيديولوجي للثورة.

عندما اندلعت الثورة الفرنسية، كانت مطالب الشعب مستوحاة من أفكار التنوير: إسقاط الملكية المطلقة، تحقيق المساواة أمام القانون، وإقامة نظام يعتمد على الإرادة الشعبية.

إعلان «حقوق الإنسان والمواطن» عام 1789 كان تجسيدا عمليا لهذه الأفكار، حيث أكد على المساواة والحرية كحقوق أساسية.

الفلاسفة لم يقودوا الثورة عمليا، لكن أفكارهم كانت الدافع وراء التحركات الشعبية والسياسية. ساعدت هذه الأفكار في توحيد الشعب الفرنسي خلف رؤية مشتركة للتغيير، ما ساهم في نجاح الثورة.

بخلاف الثورة الفرنسية، لم تكن الثورة السورية مدفوعة بأيديولوجيا فكرية أو فلسفية واضحة. كانت الثورة السورية في بدايتها ذات طبيعة شعبية وعفوية، حيث انطلقت من مطالب أساسية بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بعد عقود من القمع والاستبداد. لم يكن هناك «عصر تنوير» محلي مشابه لما حدث في أوروبا قُبيل الثورة الفرنسية. المطالب كانت متأثرة بتجارب «الربيع العربي» في تونس ومصر وليبيا أكثر من تأثرها بفكر فلسفي أو أيديولوجي.

في حين لعبت الطباعة والصحافة دورا مهما في نشر أفكار التنوير قبل الثورة الفرنسية، كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الرئيسية في الثورة السورية. استخدمت كمنصة لتنسيق الاحتجاجات ونشر الوعي بالمظالم التي يتعرض لها الشعب. رغم ذلك، لم توفر وسائل التواصل الاجتماعي إطارا فكريا موحدا، بل ساهمت أحيانا في تعميق الانقسامات.

على عكس الثورة الفرنسية، التي كانت متأثرة بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة، الثورة السورية تأثرت بالسياق الديني والثقافي المحلي.

بعض الأطراف استخدمت الدين كوسيلة لتبرير مطالبها أو أفعالها، مما أدى إلى تعقيد طبيعة الثورة.

في الثورة الفرنسية كان أحد الأسباب الرئيسية للثورة الفرنسية هو الأزمة الاقتصادية الحادة الناتجة عن الحروب المكلفة والإنفاق المفرط من قبل النظام الملكي. عانت الطبقات الدنيا (الفلاحون والعمال) من فقر مدقع، بينما استحوذت الطبقة الأرستقراطية ورجال الدين على الثروة والامتيازات، زيادة الضرائب على الفقراء وارتفاع أسعار الغذاء (خصوصا الخبز) كانت شرارة الغضب الشعبي.

أما الثورة السورية فقد جاءت في سياق مشابه من حيث الأوضاع الاقتصادية الصعبة. فالتفاوت الاجتماعي بين الطبقات كان صارخا، حيث استحوذت النخبة المقربة من النظام على الثروات والموارد.

كانت الملكية المطلقة في فرنسا تمارس استبدادا سياسيا، حيث لم يكن هناك أي تمثيل عادل للشعب، وكان الملك يتخذ القرارات دون أي مساءلة.

النظام السوري كان معروفا بسيطرته الاستبدادية والقمع الشديد لأي معارضة سياسية. حزب البعث الحاكم كان يحتكر السلطة منذ عقود. القمع الأمني، الاعتقالات التعسفية، والتعذيب الممنهج كانت عوامل أثارت غضب الشعب، وخصوصا بعد قمع الاحتجاجات السلمية في بدايات الثورة.

رغم اختلاف السياقات، يمكن ملاحظة تشابه بين المطالب الأساسية. في الثورة الفرنسية، كانت المطالب تدور حول الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. وفي الثورة السورية، كانت المطالب أيضا تتعلق بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان، مما يعكس تطلع الشعوب إلى قيم مشتركة.

رغم الاختلافات الكبيرة، يمكن التساؤل عما إذا كانت الثورة السورية قادرة على تحقيق نتائج مماثلة للثورة الفرنسية. فالثورة الفرنسية نجحت في إسقاط الملكية المطلقة، لكن الثورة السورية تعثرت كثيرا قبل إسقاط النظام بسبب التدخلات الدولية والانقسامات الداخلية.

احتاجت الثورة الفرنسية إلى عشرين عاما لتنضج وتقدم نموذجا ناجحا للتحول السياسي والاجتماعي، لكن إسقاطها على الثورة السورية قفز على النتائج وحديث سابق لأوانه بسبب السياقات المختلفة. النجاح في سوريا يتطلب تجاوز الانقسامات الداخلية، ومداواة جراح الطائفية والحد من التدخلات الخارجية، وإيجاد رؤية موحدة للمستقبل. الثورة الفرنسية تعلمنا أن التغيير ممكن، لكنه يتطلب إرادة شعبية قوية وظروفا مؤاتية لتحقيقه.

أخبار ذات صلة

0 تعليق