نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أول مرة - الهلال الإخباري, اليوم الاثنين 10 فبراير 2025 10:49 مساءً
ولو تأملنا حال المجرمين وأرباب السوابق، وسألناهم: ما الذي أوصلكم إلى هذا الحال؟ ففي الغالب لن يحكي عن تجاربه الأخيرة أو الحالية، بل سيروي تجربته الأولى التي دخل منها هذا الباب.
إن المرة الأولى أداؤها صعب ثقيل على النفس، يؤديها صاحبها وهو خائف من أن ينكشف أمره، يشعر أن الناس كلهم ينظرون إليه، وتدور في مخيلته العاقبة التي سيؤول إليها، وسيجدها إذا انكشف أمره، لذلك تجده يستخفي من أعين الناس، ونظراتهم، بل يتجنب أي أثر يمكن أن يكشف أمره، في شكله، ومظهره، ورائحته، وكل الأمور المتعلقة به.
والمرة الأولى - غالبا - يسوغها لصاحبها صاحب سوء، يزينها له، ويحضه عليها، ويبرر له الدخول في التجربة، بل يستدل على كلامه بحجج وبراهين واهية، ولكنها تلقى هوى عند صاحبه، وسيسهل له أمرها، وتجربتها، أما عن انكشاف أمره فيستدل بنفسه بأن له زمنا يمارس هذا الفعل، دون أن يدري أحد عنه، وأن ممارسته في الخفاء ممكنة وسهلة.
أما عن آثارها ومضرتها، فسيحدث نفسه عن سهولة الإقلاع عنها، وأنها تجربة سريعة، وسيعود مباشرة منها، ويؤوب إلى جادة الطريق، وأنه سيتوب بعدها، كما قال إخوة يوسف - عليه السلام - بعد أن أجمعوا أمرهم وكادوا له: فقد نووا التوبة قبل أن يقوموا بجرمهم.
ثم تأتي بعدها المرحلة الثانية، وهي النشوة بنجاح التجربة الأولى، دون انكشاف أمرها، وأنها مرت بسلام، دون أي آثار واضحة عليه، فيخوض التجربة مرة أخرى؛ لكنه هذه المرة أكثر جرأة وأقل خوفا، وأحرص على إتقان التجربة.
ثم تسهل عليه ممارستها، ويجد مكانا مخفيا عن أعين الناس، وأساليب أكثر سترا - من وجهة نظره - ويهيئ لنفسه الجو العام المطلوب لتنفيذها بأمان.
ثم تزين عنده، تزدان في نظره، فيستمتع بأدائها، فتنكشف عند المقربين له، ويفتضح أمره شئيا فشيئا.
وهو مقتنع في قرارة نفسه ألا أحد يعرف عنه إلا المحيطون به، وأنه ذو ذكاء خارق يستطيع أن يتخفى عن أعين الناس، ونسي ربه جل جلاله، مع أن معظم من يدقق في أمره، وتغير حاله، سيعلم أن وراءه أمرا، ويشك في أمره، إن لم يتيقن منه.
ثم يتطور أمره ليعتاد عليها، لتأتي مرحلة الإدمان، فتلازمه وكأنها تسير في دمه، ويصعب عليه الفكاك منها، لذلك قد نستغرب حين نسمع عن القبض على بعض المرتشين في مبلغ تافه لا يذكر، وعلى مروج للمخدرات، في كمية صغيرة، وعلى سارق في شيء من سقط المتاع، فهذه الجرائم الصغيرة التي قبض وحوكم عليها، ما هي إلا نتاج سلسلة من جرائم أكبر منها، ولتعوده عليها سهل عليه كبر الأمر وصغره، وتساوت عنده عظائم الأمور وصغارها.
روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه أُتيَ بشاب قد حلّ عليه القطع، فأمر بقطعه، قال: فجعل يقول: يا ويله، ما سرقت سرقة قط قبلها، فقال عمر (كذبت ورب عمر، ما أسلم الله عبدا عند أول ذنب)، وجاء في بعض الروايات أنها السرقة الأولى بعد العشرين للسارق.
والمصيبة الكبرى أنه في أغلب الأحيان يتبعها أفعال غيرها، فالمرتشي يسهل عليه الاختلاس، ومتعاطي المخدرات يسهل عليه الانتقال من مخدر إلى غيره، وكثيرا ما يلجأ إلى السرقة ليؤمن كيفه.. لذلك نجد معظم من اعتاد الإجرام قد ارتكب أكثر من جرم، فطرق الغواية متصلة ببعضها، وكل طريق منها يؤدي إلى آخر.
وقد يصل لمرحلة الندم ومحاولة التغيير، والرجوع والتوبة، كما وعد نفسه أول الأمر، لكن قد صعبت عليه الأمور، وابتعد في طريقه، حتى بعُد عليه مشوار الرجوع إلى الطريق الأساس، فالشجرة الخبيثة سهل نزعها في أول نباتها، ولكن حين تكبر وتتعمق جذورها ويقوى جذعها وتمتد فروعها وترتفع عاليا، يصعب اقتلاعها وزحزحتها، بل حتى قطع جزء منها، والسبب في البداية كان من المرة الأولى، فلنحذر منها.
0 تعليق